يَدخُلُ على طَريقِ التَّبَعِ، فكانَ ذلك استِئجارًا على المَنفَعةِ أيضًا، واستِيفاؤُها بالقيامِ بخِدمةِ الصَّبيِّ مِنْ غَسلِه وغَسلِ ثيابِه، وإلباسِها إيَّاه، وطَبخِ طَعامِه، ونَحوِ ذلك، واللَّبنُ يَدخُلُ فيه تَبَعًا؛ كالصَّبغِ في استِئجارِ الصَّباغِ، وإذا أرضَعَتْه بلَبنِ الشَّاةِ فلَم تَأتِ بما دخلَ تَحتَ العَقدِ فلا تَستَحِقُّ الأُجرةَ، كالصَّباغِ إذا صَبَغَ الثَّوبَ لَونًا آخَرَ غيرَ ما وقعَ عليه العَقدُ، أنَّه لا يَستَحقُّ الأجْرَ، وذا لا يَدلُّ على أنَّ المَعقودَ عليه لَيسَ هو المَنفَعةَ، كَذا هَهُنا.
وَمِنْ مَشايِخِنا مَنْ قالَ: إنَّ المَعقودَ عليه هُناكَ العَينُ، وهي اللَّبنُ المَقصودُ، والخِدمةُ تَبَعٌ؛ لأنَّ المَقصودَ تَربيةُ الصَّبيِّ، ولا يَترَبَّى إلَّا باللَّبنِ، فأجرَى اللَّبنَ مَجرَى المَنافِعِ، ولِهَذا لا يَجوزُ بَيعُه، وعَلَى هذا يَخرُجُ استِئجارُ الأقطَعِ والأشَلِّ لِلخياطةِ بنَفْسِه، والقِصارةِ والكِتابةِ وكلِّ عَملٍ لا يَقومُ إلَّا باليَدَيْنِ، واستِئجارُ الأخرَسِ لِتَعليمِ الشِّعرِ والأدَبِ، والأعمَى لِنَقطِ المَصاحِفِ، أنَّه غيرُ جائِزٍ؛ لأنَّ الإجارةَ بَيعُ المَنفَعةِ، والمَنفَعةُ لا تَحدُثُ عادةً إلَّا عندَ سَلامةِ الآلاتِ والأسبابِ، وكَذا استِئجارُ الأرضِ السَّبخةِ والنَّزَّةِ لِلزِّراعةِ، وهي لا تَصلُحُ لَها؛ لأنَّ مَنفَعةَ الزِّراعةِ لا يُتصوَّرُ حُدوثُها مِنها عادةً؛ فلا تَقعُ الإجارةُ ببَيعِ المَنفَعةِ، فلَم تَجُزْ، وعَلَى هذا يَخرُجُ استِئجارُ المُصحَفِ، أنَّه لا يَجوزُ؛ لأنَّ مَنفَعةَ المُصحَفِ النَّظَرُ فيه والقِراءةُ مِنه، والنَّظَرُ في مُصحَفِ الآخرينَ والقِراءةُ منه مُباحانِ، والإجارةُ بَيعُ المَنفَعةِ، والمُباحُ لا يَكونُ مَحَلًّا لِلبَيعِ؛ كالأعيانِ المُباحةِ مِنْ الحَطَبِ والحَشيشِ.
وَكَذا استِئجارُ كُتُبٍ لِيَقرَأَ فيها شِعرًا أو فِقهًا؛ لأنَّ مَنافِعَ الدَّفاتِرِ النَّظَرُ