فلا شَيءَ له بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُهُ؛ لأنَّه بذلَ مَنفعَتَه مِنْ غيرِ عِوَضٍ؛ فلَم يَستَحقَّه، ولِئَلَّا يَلزَم الإنسانَ ما لَم يَلزَمْه، ولَم تَطِبْ نَفْسُه به، وهذا إذا لَم يكُنْ مَعَدًّا لِأخْذِ الأُجرةِ، فإنْ كانَ مَعَدًّا لَها وأذِنَ لَه، فلَه الأُجرةُ، لَكِنْ نَصَّ أحمَدُ على أنَّ مَنْ خَلَّصَ مَتاعًا لِغَيرِه يَستَحقُّ أجْرَ مِثلِه، بخِلافِ اللُّقَطةِ إلَّا في رَدِّ الآبِقِ؛ فإنَّه يَستَحقُّ الجُعلَ بلا شَرطٍ (١).
وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ ﵀: مَذهَبُ مالِكٍ، وأحمدَ بنِ حَنبَلٍ المَشهورُ عنه، وغَيرِهما: أنَّ كلَّ مَنْ أدَّى عن غَيرِه واجِبًا فلَه أنْ يَرجِعَ به عليه، إذا لَم يكُنْ مُتبرِّعًا بذلك، وإنْ أدَّاه بغَيرِ إذْنِه، مثلَ مَنْ قَضَى دَينَ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه، سَواءٌ كانَ قد ضَمِنَه بغَيرِ إذْنِه، وأدَّاه بغَيرِ إذْنِه، أو أدَّاه عنه بلا ضَمانٍ.
وَكذلك مَنِ افتكَ أسيرًا مِنْ الأسْرِ بغَيرِ إذْنِه، يَرجِعُ عليه بما افتكَه به، وكذلك مَنْ أدَّى عن غَيرِه نَفَقةً واجِبةً عليه، مثلَ أنْ يُنفِقَ على ابنِه أو زَوجَتِه أو بَهائِمِه، لا سيَّما إذا كانَ لِلمُنفِقِ فيها حَقٌّ، مثلَ أنْ يَكونَ مُرتَهَنًا أو مُستَأجَرًا، أو كانَ مُؤتَمَنًا عليها، مثلَ المُودِعِ، ومِثلَ رَدِّ العَبدِ الآبِقِ، ومِثلَ إنفاقِ أحَدِ الشَّريكَيْنِ على البَهائِمِ المُشترَكةِ. وقَد دَلَّ على هذا الأصلِ قولُ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، فَأمَرَ بإيتاءِ الأجْرِ بمُجرَّدِ إرضاعِهِنَّ، ولَم يُشترَطْ عَقدُ استِئجارٍ، ولا إذْنُ الأبِ لَها في أنْ تُرضِعَ بالأجْرِ، بَلْ لَمَّا كانَ إرضاعُ الطِّفلِ واجِبًا على أبيه، فإنْ أرضَعَتْه المَرأةُ استَحقَّتِ الأجْرَ بمُجرَّدِ إرضاعِها، ثم قالَ: فهَكَذا
(١) «المبدع» (٥/ ٢٧٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute