وَذَهَبَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ، والمالِكيَّةُ في قَولٍ إلى أنَّ المُساقاةَ مِنْ العُقودِ الجائِزةِ مِنْ الطَّرفَيْنِ، قياسًا على المُضارَبةِ؛ لأنَّها عَقدٌ على جُزءٍ مِنْ النَّماءِ في المالِ، فلا يَفتقِرُ إلى ذِكرِ مدَّةٍ، ولِكُلٍّ مِنهما فَسخُها متى شاءَ.
وَلِحَديثِ ابنِ عُمرَ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ أجلَى اليَهودَ والنَّصارَى مِنْ أرضِ الحِجازِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا ظَهرَ على أهلِ خَيبَرَ أرادَ أنْ يُخرِجَ اليَهودَ مِنها، وكانَتِ الأرضُ -لَمَّا ظَهرَ عليها- لِليَهودِ ولِلرَّسولِ ﷺ ولِلمُسلِمينَ، فسَألَ اليَهودُ رَسولَ اللَّهِ أنْ يَترُكَهم على أنْ يَكْفُوه العَملَ ولَهم نِصفُ الثَّمرِ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ:«نُقِرُّكم على ذلك ما شِئْنا»، فأُقِرُّوا، حتى أجلاهم عُمرُ في إمارَتِه إلى تَيماءَ وأريحا (١). وَلَو كانَ لَازِمًا لَم يَجُزْ تَقديرُ مدَّةٍ، ولا أنْ يَجعَلَ الخِيَرةَ إليه في مدَّةِ إقرارِهم، ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ لَم يُنقَلْ عنه أنَّه قدَّرَ لَهم ذلك بمدَّةٍ، ولَو قدَّرَ لَم يُترَكْ نَقلُه؛ لأنَّ هذا ممَّا يُحتاجُ إلَيه، فلا يَجوزُ الإخلالُ بنَقلِه، وعُمرُ أجْلاهم مِنْ الأرضِ، وأخرَجَهم مِنْ خَيبَرَ، ولَو كانَتْ لَهم مدَّةٌ مُقدَّرةٌ لَم يَجُزْ إخراجُهم مِنها.
وَلأنَّه عَقدٌ على جُزءٍ مِنْ نَماءِ المالِ، فكانَ جائِزًا؛ كالمُضارَبةِ، أو عَقدٌ على المالِ بجُزءٍ مِنْ نَمائِه، فأشبَهَ المُضارَبةَ.
وَفارَقَ الإجارةَ؛ لأنَّها بَيعٌ، فكانَتْ لَازِمةً كَبَيعِ الأعيانِ، ولأنَّ عِوَضَها مُقدَّرٌ مَعلومٌ، فأشبَهَتِ البَيعَ، وقياسُها على الإجارةِ يَنتقِضُ بالمُضارَبةِ، وهي أشبَهُ بالمُساقاةِ مِنْ الإجارةِ؛ فقياسُها عليها أوْلَى.