وَذَهَبَ الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلمُساقِي أنْ يُساقيَ غَيرَه؛ قالَ الحَنفيَّةُ: لأنَّ الدَّفعَ إلى غَيرِه إثباتٌ لِلشَّرِكةِ في مالِ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه؛ فلا يَصحُّ.
أمَّا إذا أذِنَ صاحِبُ الأشجارِ صَراحةً أو قالَ لَهُ: «اعمَلْ برَأيِكَ» ففي هذه الحالِ له أنْ يُساقيَ آخَرَ.
وَلَو لَم يَقُلْ لَه: «اعمَلْ برَأيِكَ فيه» فدفعَ العامِلُ إلى رَجُلٍ آخَرَ مُعامَلةً، فعَمِلَ فيه فأخرَجَ، فهو لِصاحِبِ النَّخلِ، ولا أجْرَ لِلعاملِ الأولِ، ولأنَّ استِحقاقَه بالشَّرطِ، وهو شَرطُ العَملِ، ولَم يُوجَدْ منه العَملُ بنَفْسِه، ولا بغَيرِه أيضًا؛ لأنَّ عَقدَه معه لَم يَصحَّ، فلَم يكُنْ عَملُه مُضافًا إلَيه، ولَه على العامِلِ الأولِ أجْرُ مِثلِ عَملِه يَومَ عَمِلَ؛ لأنَّه عَمِلَ له بأمْرِه فاستَحقَّ أجْرَ المِثْلِ، ولَو هَلَكَ الثَّمرُ في يَدِ العامِلِ الأخيرِ مِنْ غيرِ عَملِه، وهو في رُؤُوسِ النَّخلِ، فلا ضَمانَ على واحِدٍ مِنهما؛ لِانعِدامِ الغَصبِ مِنْ واحِدٍ مِنهما، وهو تَفويتُ يَدِ المالِكِ.
وَلَو هَلَكَ مِنْ عَملِه في أمْرٍ خالَفَ فيه أمْرَ العامِلِ الأولِ، فالضَّمانُ لِصاحِبِ النَّخلِ على العامِلِ الآخَرِ دونَ الأولِ؛ لأنَّ الخِلافَ قَطَعَ نِسبةَ عَملِه إلَيه، فبَقيَ مُتلِفًا على المالِكِ مالَه، فكانَ الضَّمانُ عليه.
وَلَو هَلَكَ في يَدِه مِنْ عَملِه في أمْرٍ لَم يُخالِفْ فيه أمْرَ العامِلِ الأولِ، فلِصاحِبِ النَّخلِ أنْ يُضَمِّنَ أيَّهما شاءَ؛ لأنَّه إذا لَم يُوجَدْ منه بخِلافٍ بَقيَ عَملُه مُضافًا إلَيه، كَأنَّه عَمِلَ لِنَفْسِه؛ فكانَ له أنْ يُضَمِّنَه، ولَه أنْ يُضَمِّنَ الثَّاني؛ لأنَّه في مَعنَى غاصِبِ الغاصِبِ، فإنِ اختارَ تَضمينَ الأولِ لَم يَرجِعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute