للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المالِكيَّةُ: لا يَجوزُ لِرَبِّ المالِ أنْ يَشترِطَ أنْ يَزرَعَ مِنْ مالِ القِراضِ؛ فإنْ فعَل فسَد، ولِلعامِلِ أُجرةُ مِثلِه في ذِمَّةِ رَبِّ المالِ، سَواءٌ حصَل رِبحٌ أو لا.

فلو زرَع العامِلُ مِنْ غَيرِ شَرطٍ في أرضٍ اشتَراها مِنْ مالِ القِراضِ أو اكتَراها جازَ ذلك إذا كان بمَوضِعِ أمْنٍ وعَدلٍ ولا يَضمَنُ، وأمَّا إنْ خاطَرَ به في مَوضِعِ ظُلمٍ وغَرَرٍ يَرى أنَّه خَطَرٌ؛ فإنَّه ضامِنٌ، ولو أخَذَ العامِلُ نَخلًا مُساقاةً فأنفَقَ عليها مِنْ مالِ القِراضِ كان كالزَّرعِ، ولَم يَكُنْ مُتعَدِّيًا (١).

ومِنَ الحَنابِلةِ قال ابنُ قُدامةَ : وإنْ قال له: «اعمَلْ برأيِك»، هل له الزِّراعةُ؟ يَحتمِلُ ألَّا يَملِكَ ذلك؛ لأنَّ المُضارَبةَ لا يُفهَمُ مِنْ إطلاقِها، وقد رُويَ عن أحمدَ فيمَن دفَع إلى رَجلٌ ألفًا وقال: «اتَّجِرْ فيها بما شِئتَ»، فزرَع فرَبِح فيه فالمُضاربةُ جائِزةٌ، والرِّبحُ بينَهما، قال القاضي: ظاهِرُ هذا أنَّ قَولَه: «اتَّجِرْ بما شِئتَ» دَخَلت فيه؛ لأنَّها مِنَ الوُجوهِ التي يُبتَغى بها النَّماءُ، وعلى هذا لو هَلَك المالُ كُلُّه لَم يَلزَمْه ضَمانُه (٢).

أمَّا الشافِعيَّةُ؛ فإنَّهم يَقولون: إنَّ وَظيفةَ العامِلِ التِّجارةُ، وهي الاستِرباحُ بالبَيعِ والشِّراءِ، وكذا تَوابِعُها مما جَرَت العادةُ أنْ يَتولَّاه بنَفْسِه، كنَشرِ الثِّيابِ وطَيِّها وذَرعِها وغَيرِ ذلك.


(١) «تهذيب المدونة» (٢/ ١٨٤)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٢٨٧)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥١٠، ٥١١، ٥١٨)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٢٠٧)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤١٥، ٤١٦)، و «حاشية الصاوي» (٨/ ٤٠٣، ٤٠٤)، و «منح الجليل» (٧/ ٣٣٢).
(٢) «المغني» (٥/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>