ولو أخَذَ أرضًا مُزارَعةً على أنْ يَزرَعَها فما خرَج مِنْ ذلك كان نِصفَيْن، فاشتَرى طَعامًا ببَعضٍ، فزَرَعه، قال مُحمدٌ: هذا يَجوزُ إنْ قال له: «اعمَلْ برأيِك»، وإنْ لَم يَكُنْ قال له:«اعمَلْ برأيِك» لَم يَجُزْ؛ لأنَّه يُوجِبُ حَقًّا لِرَبِّ الأرضِ في مالِ رَبِّ المالِ، فيَصيرُ كأنَّه شارَكه بمالِ المُضاربةِ، ولا يَملِكُ الإشراكَ بإطلاقِ العَقدِ ما لَم يَقُلِ:«اعمَلْ برَأيِك»، فإذا قال مَلَك، كذا هذا.
وقال الحَسَنُ بنُ زِيادٍ ﵀: إنَّ الأرضَ والبَذْرَ والبَقَرَ إذا كانت مِنْ قِبَلِ رَبِّ الأرضِ، وكان العَملُ على المُضارِبِ لَم يَكُنْ ذلك على المُضارَبةِ، بل يَكونُ لِلمُضارِبِ خاصَّةً، لِما ذكَرنا أنَّه عَقدٌ على مَنافِعِ نَفْسِه، فكان له بَدَلُ مَنافِعِ نَفْسِه فلا يَستحِقُّه رَبُّ المالِ، وكذلك إذا شرَط البَقَرَ على المُضارِبِ؛ لأنَّ العَقدَ وَقَع على مَنفَعتِه؛ وإنَّما البَقَرُ آلةُ العَملِ، والآلةُ تَبَعٌ ما لَم يَقَعْ عليها العَقدُ.
ولو دفَع المُضارِبُ أيضًا بغَيرِ بَذرٍ مُزارَعةً جازَت سَواءٌ قال:«اعمَلْ برأيِك»، أو لَم يَقُلْ؛ لأنَّه لَم يُوجِبْ شَركةً في مالِ رَبِّ المالِ، إنَّما آجَرَ أرضَه والإجارةُ داخِلةٌ تَحتَ عَقدِ المُضارَبةِ (١).
(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٩٥)، و «المبسوط» (٢٢/ ٥٤، ٧٢، ٧٣)، و «الهداية» (٤/ ٤)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٢٠٧)، و «البحر الرائق» (٦/ ٢٦٤)، و «مجمع الضمانات» (٢/ ٦٥٥)، و «الفتاوى الهندية» (٤/ ٣٣٤).