للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرَج بالتِّجارةِ استِخراجُ العامِلِ الرِّبحَ باحتِرافٍ، فلو قارَضه لِيَشتريَ حِنطةً فيَطحَنَ ويَخبِزَ، أو غَزلًا يَنسِجُه ويَبيعُه فسَد القِراضُ في الصُّورتَيْن؛ لأنَّ القِراضَ شُرِع رُخصةً لِلحاجةِ، وهذه الأعمالُ مَضبوطةٌ يُمكِنُ الاستِئجارُ عليها فلَم تَشمَلْها الرُّخصةُ والعامِلُ فيها ليس مُتَّجِرًا، بل مُحتَرِفٌ، فلَيست مِنْ وَظيفةِ العامِلِ (١) فعلى هذا واللهُ أعلَمُ هم لا يُجيزون الزِّراعةَ بمالِ المُضاربةِ.

ثم وَجدتُ قَولَ العِمرانيِّ في «البَيانِ» والنَّوَويِّ في «الرَّوضةِ» يَقولان: ولو قارَضه على أنْ يَشتريَ نَخيلًا أو دَوابَّ أو أرضًا أو مُستَغلَّاتٍ يَكونُ أصلُها مَوقوفًا، بأنْ يُمسِكَ رِقابَها لِثِمارِها ونِتاجِها وغَلَّتِها، وتَكونَ الفَوائِدُ بينَهما، فهو فاسِدٌ ولَم يَصحَّ القِراضُ؛ لأنَّ عَقدَ القِراضِ مَوضوعٌ على أنْ يَتصرَّفَ العامِلُ في رَقبةِ المالِ، وهذا قد شُرِط مَنعُه مِنْ ذلك، فلَم يَصحَّ. ولأنَّه ليس رِبحًا بالتِّجارةِ، بل مِنْ عَينِ المالِ (٢).


(١) «مغني المحتاج» (٣/ ٣٤٣، ٣٤٤)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٥٤، ٢٥٥)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٦٢، ٢٦٣)، و «الديباج» (٢/ ٤٢٨، ٤٢٩)، و «كفاية الأخيار» (٣٤١)، و «حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم» (٢/ ٤٤).
(٢) «البيان» (٧/ ٢٠٠)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٤٢)، وجاء في «الروضة» (٣/ ٧٥٨): وقال النَّوويُّ في «الروضة» قال: فصلٌ فيما يَقعُ في مالِ القِراضِ من زِيادةٍ أو نَقصٍ.
أما الزِّيادةُ: فثَمرةُ الشَّجرةِ المُشتَراةِ للقِراضِ ونِتاجُ الدَّابةِ وكَسبُ الرَّقيقِ وولدُ الجارِيةِ ومَهرُها إذا وُطئِت بشُبهةٍ وبَدلُ مَنافعِ الدَّوابِّ والأرضِ وسواءٌ وجَب باستِعمالِها عُدوانٌ أو بإِجارةٍ صدَرت من العاملِ فإنَّ له الإِجارةَ، فإذا رأَى فيها المَصلحةَ أطلَق الإمامُ والغَزاليُّ أن هذه كلَّها مالُ قِراضٍ؛ لأنَّها من فَوائدِه وقال المُتولِّي: إن كان في المَالِ رِبحٌ وملَّكنا العاملُ حصَّتَه بالظُّهورِ فالجوابُ كذلك، فإن لم يكنْ ربِحَ أو لم نُملِّكْه فمن الأصحابِ من قال مالُ قِراضٍ، وقال جُمهورُهم: يفوزُ بها المالكُ؛ لأنَّها ليسَت من فَوائدِ التِّجارةِ ويُشبهُ أن يَكونَ هذا أولَى، فإن جعَلناها مالَ قِراضٍ فالأصحُّ أنها من الرِّبحِ، وقِيل: هي شائِبةٌ في الرِّبحِ ورأسِ المالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>