للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصارتِ الكوفةُ في حَقِّه كسائِرِ البُلدانِ؛ لأنَّ وَطنَه بها كان مُستعارًا، وقد انتُقِضَ بالسَّفرِ، فرُجوعُه بعدَ ذلك إلى الكوفةِ وذَهابُه إلى مِصرٍ آخَرَ سَواءٌ، فإنْ تَزوَّج فيها امرأةً واتَّخذَها وَطنًا زالَت نَفَقتُه عن مالِ المُضاربةِ؛ لأنَّ مُقامَه بها بعدَما تَزوَّج بها واتَّخذَها دارًا لِأجلِ أهلِه، لا لِأجلِ مالِ المُضاربةِ، فهي بمَنزِلةِ وَطنِه الأصليِّ (١).

وقال المالِكيَّةُ: يَجوزُ لِلعامِلِ أنْ يُنفِقَ على نَفْسِه مِنْ مالِ القِراضِ، ويُقضَى له بذلك بشُروطٍ أربَعةٍ:

١ - إنْ سافَر به لِلتِّجارةِ، أو احتاجَ إلى ما يَشرَعُ فيه لِتَنميةِ المالِ، ولو دونَ مَسافةِ القَصرِ مِنْ طَعامٍ وشَرابٍ ورُكوبٍ ومَسكَنٍ وما يَتعلَّقُ بذلك مِنْ حَمَّامٍ وغَسلِ ثَوبٍ على وَجهِ المَعروفِ، حتى يَرجِعَ لِوَطنِه، ويُقضَى له بذلك عندَ المُنازعةِ، ومَفهومُ الشَّرطِ أنَّه لا نَفقةَ له بالحَضرِ، ما لَم يَشغَلْه عن الوُجوهِ التي يَقتاتُ منها، وإلا فلَه الإنفاقُ.

٢ - ما لَم يَبْنِ بزَوجةٍ في البَلدِ الذي سافَرَ له لِلتِّجارةِ؛ فإنْ تَزوَّج في سَفَرِه بغَيرِ بَلَدِ إقامَتِه ولَم يَبْنِ بالزَّوجةِ فالنَّفقةُ مُستَمرَّةٌ؛ فإنْ بَنى بها أُسقِطت نَفقتُه منه، لا إنْ لَم يَبْنِ، ولَو دُعيَ لِلدُّخولِ، والمُرادُ بالبِناءِ الدُّخولُ؛ فإذا عَقدَ عليها لا تَسقُطُ نَفَقتُه ما لَم يَدخُلْ بها؛ فإنْ طَلَّقها بعدَ البِناءِ بها طَلاقًا بائِنًا عادَت له النَّفقةُ، ولو كانت حامِلًا؛ لأنَّ النَّفقةَ لِلحَملِ لا لِلزَّوجةِ.


(١) «المبسوط» (٢٣/ ٦٣، ٦٥)، «بدائع الصانع» (٦/ ١٠٥، ١٠٦)، و «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (٤/ ٤٣)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٤٧)، و «الهندية» (٤/ ٣١٢) (١/ ٤٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>