بَقيَ مِنْ ذلك شَيءٌ فهو الرِّبحُ يُقسَمُ بينَ المُضارِبِ ورَبِّ المالِ على ما اشتَرَطا، وكذلك لو كان أنفَقَ في سَفرِه مِنَ المالِ بَعضَه قبلَ أنْ يَشتريَ به شَيئًا، ثم اشتَرى بالبَقيَّةِ وباعَ ورَبِح استَوفى رَبُّ المالِ رأسَ مالِه كامِلًا؛ لأنَّ ما أنفَقه المُضارِبُ يُجعَلُ كالهالِكِ وقد بَيَّنَّا أنَّ العَقدَ يَبقى في الكُلِّ بعدَ هَلاكِ بَعضِ رأسِ المالِ فيَحصُلُ جَميعُ رأسِ المالِ، وما بَقيَ فهو بَينَهما على الشَّرطِ.
ولو دفَع المالَ مُضارَبةً إليه فخرَج إلى السَّوادِ يَشتَري به الطَّعامَ، وذلك مَسيرةُ يَومٍ أو يَومَيْن، فأقامَ في ذلك المَكانِ يَشتَري ويَبيعُ؛ فإنَّه يُنْفِقُ في طَريقِه ومُقامِه في ذلك المَكانِ مِنْ مالِ المُضاربةِ، وهذا ومَسيرةُ ثلاثةِ أيامٍ في المَعنى سَواءٌ؛ لأنَّه إنَّما فارَق وَطنَه لِعَملِه في مالِ المُضاربةِ، وكذلك لو أقامَ في هذا المَوضِعِ أيضًا، فيَستوجِبُ النَّفَقةَ في مالِ المُضاربةِ، ولو كان في المِصرِ الذي فيه أهلُه، إلا أنَّ المِصرَ عِظَمُ أهلِه في أقصاه، والمُقامُ الذي يَتَّجِرُ فيه في الجانِبِ الآخَرِ، وكان يُقيمُ هناك لِيَتَّجِرَ ولا يَرجِعَ إلى أهلِه فلا نَفقةَ له في مالِ المُضاربةِ؛ لأنَّ نَواحيَ المِصرِ في حُكمِ ناحيةٍ واحِدةٍ، ألَا تَرى أنَّ المُقيمَ في ناحيةٍ مِنَ المِصرِ يَكونُ مُقيمًا في جَميعِ نَواحيه، وإذا خرَج مِنْ أهلِه على قَصدِ السَّفرِ لا يَصيرُ مُسافِرًا ما لَم يَنفصِلْ مِنْ عُمرانِ المِصرِ، وقد بَيَّنَّا أنَّ مُقامَه في المِصرِ لَم يَكُنْ لِأجلِ المُضاربةِ، وعلى هذا قيلَ: لو كان يَخرُجُ لِلعَملِ إلى مَوضِعٍ قَريبٍ ويَعودُ إلى أهلِه قبلَ اللَّيلِ؛ فإنَّه لا يُنْفِقُ مِنْ مالِ المُضاربةِ؛ لأنَّه مُقيمٌ في أهلِه إذا كان خُروجُه إلى مَوضعٍ لا يَحتاجُ إلى أنْ يَبيتَ في غَيرِ أهلِه.