يَستحِقُّ النَّفقةَ لَأذهبَتْ نَفَقتُه رِبحَه وبأضعافِه، ولأنَّ ذلك يَصيرُ زيادةً يَنفرِدُ بها رَبُّ المالِ، وذلك خِلافُ مَوضوعِ القِراضِ، ولأنَّ سَفَرَه لَمَّا كان لِأجْلِ المالِ وطلَبِ تَنميتِه صار كبَعضِ كُلَفِ المالِ ومُؤنةِ الأُجراءِ.
قال الحَنفيَّةُ: ونَفَقتُه طَعامُه وكِسوتُه ودُهنُه وغَسلُ ثِيابِه ورُكوبُه في سَفَرِه إلى المِصرِ الذي أتاه بالمَعروفِ على قَدْرِ نَفَقةِ مِثلِه؛ لأنَّ هذا كلَّه مما لا بُدَّ منه في السَّفرِ وفي النَّوادِرِ عن أبي حَنيفةَ وأبي يُوسُفَ رَحِمهما اللهُ: إنَّ دُهنَه ليس مِنْ جُملةِ النَّفقةِ، وكأنَّهما أرادا به في المَوضِعِ الذي لا يَحتاجُ فيه إلى استِعمالِ الدُّهنِ عادةً، فتَكونُ الحاجةُ إليه نادِرةً، والثابِتُ عُرفًا لا يَثبُتُ فيما هو نادِرٌ، ومُرادُ مُحمدٍ ﵀ إذا سافَرَ إلى المَواضِعِ التي يَحتاجُ فيها إلى استِعمالِ الدُّهنِ عادةً، وذلك في ديارِ الحِجازِ والعِراقِ، ثم المُستَحَقُّ هو نَفقةَ المِثلِ، وهو المَعروفُ كما في نَفقةِ الزَّوجةِ؛ فإنْ أنفَقَ أكثَرَ مِنْ ذلك حُسِب له مِنْ ذلك نَفقةُ مِثلِه، وكان ما بَقيَ عليه في مالِه؛ فإذا رجَع إلى مِثلِه وقد بَقيَ معه ثِيابٌ أو طَعامٌ أو غَير ذلك رَدَّه في مالِ المُضاربةِ؛ لأنَّ استِحقاقَه قد انتَهى برُجوعِه إلى مِصرِه، فعليه رَدُّ ما بَقيَ كالحاجِّ عن الغَيرِ إذا بَقيَ معه شَيءٌ مِنَ النَّفقةِ بعدَ رُجوعِه، وكالمَولى إذا بَوَّأ أَمَتَه مع زَوجِها بَيتًا ثم شَغَّلها بخِدمَتِه، وقد بَقيَ معها شَيءٌ مِنَ النَّفقةِ كان لِلزَّوجِ أنْ يَستردَّ ذلك منها.
فأمَّا الدَّواءُ والحِجامةُ والكُحلُ ونَحوُ ذلك ففي مالِه خاصَّةً دونَ مالِ المُضاربةِ، ورَوى الحَسَنُ عن أبي حَنيفةَ -رَحِمَهما اللهُ ﷾ أنَّ ذلك كلَّه في مالِ المُضاربةِ؛ لأنَّ مالَ المُضاربةِ مُدةَ سَفرِه في حاجتِه كمالِ