للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقُّه في رِبحٍ عَسى يَحصُلُ وعَسى ألَّا يَحصُلَ، فلا بُدَّ مِنْ أن يَحصُلَ له بإزاءِ ما تَحمَّلَ مِنَ المَشقَّةِ شَيءٌ مَعلومٌ، وذلك نَفَقتُه في المالِ، وهو بمَنزِلةِ الشَّريكِ، والشَّريكُ إذا سافَرَ بمالِ الشَّركةِ فنَفَقتُه في ذلك المالِ، فالمُضارِبُ كذلك، وهذا لأنَّه فَرَّغ نَفْسَه عن أشغالِه لِأجْلِ مالِ المُضاربةِ، فهو كالمَرأةِ إذا فَرَّغت نَفْسَها لِزَوجِها بالمُقامِ في بَيتِه، فأمَّا في المِصرِ فما فرَّغ نَفْسَه لِمالِ المُضاربةِ فلا يَستوجِبُ نَفَقتَه فيه.

ولأنَّ الرِّبحَ في بابِ المُضاربةِ يَحتمِلُ الوُجودَ والعَدمَ، والعاقِلُ لا يُسافِرُ بمالِ غَيرِه لِفائِدةٍ تَحتمِلُ الوُجودَ والعَدمَ مع تَعجيلِ النَّفقةِ مِنْ مالِ نَفْسِه، فلو لَم تُجعَلْ نَفَقتُه مِنْ مالِ المُضاربةِ لَامتَنَع الناسُ مِنْ قَبولِ المُضارباتِ مع مَساسِ الحاجةِ إليها، فكان إقدامُهما على هذا العَقدِ والحالُ ما وَصَفْنا إذنًا مِنْ رَبِّ المالِ لِلمُضارِبِ بالإنفاقِ مِنْ مالِ المُضاربةِ، فكان مَأذونًا في الإنفاقِ دِلالةً، فصارَ كما لو أذِنَ له به نَصًّا، ولأنَّه يُسافِرُ لِأجْلِ المالِ لا على سَبيلِ التَّبرُّعِ، ولا ببَدلِ واجِبٍ له لا مَحالةَ، فتَكونُ نَفَقتُه في المالِ بخِلافِ المُبضِعِ، لا يُسافِرُ بمالِ الغَيرِ على وَجهِ التَّبرُّعِ، وبخِلافِ الأجيرِ؛ لأنَّه يَعمَلُ ببَدلٍ لَازِمٍ في ذِمَّةِ المُستأجِرِ لا مَحالةَ، فلا يَستحِقُّ النَّفَقةَ.

ولأنَّا لو قُلنا: إنَّه يُنْفِقُ على نَفْسِه مِنْ مالِه؛ لَأدَّى إلى ألَّا يَحصُلَ له شَيءٌ مِنَ الرِّبحِ؛ لأنَّه يُنْفِقُ جَميعَ نَصيبِه مِنَ الرِّبحِ، وبما لا يَربَحُ فيُغرَّمُ النَّفقةَ.

ولأنَّ العامِلَ إنَّما سافَرَ بالمالِ طلَبًا لِلفَضلِ لا تَطوُّعًا، فلو قُلنا: إنَّه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>