للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكونَ رَبُّ المالِ قد شرَط له النَّفقةَ مع عِلمِه بذلك (١).

وذهَب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ -بأربَعةِ قُيودٍ عِندَهم كما سيأتي- والشافِعيَّةُ في مُقابِلِ الأظهَرِ إلى أنَّه يَجوزُ لِلعامِلِ في المُضاربةِ أنْ يُنفِقَ على نَفْسِه مِنْ مالِ القِراضِ في طَريقِه وفي المِصرِ الذي يأتيه لِأجْلِ العادةِ (٢)، وهذا لأنَّ خُروجَه وسَفَرَه لِأجْلِ مالِ المُضاربةِ، ولأنَّ الإنسانَ لا يَتحمَّلُ هذه المَشقَّةَ ثم يُنْفِقُ مِنْ مالِ نَفْسِه لِأجْلِ رِبحٍ مَوهومٍ عسى يَحصُلُ، وعَسى ألَّا يَحصُلَ، بل إنَّما رَضيَ بتَحمُّلِ هذه المَشقَّةِ باعتِبارِ مَنفعةٍ تَحصُلُ له وليس ذلك إلا بالإنفاقِ مِنْ مالِه الذي في يَدِه فيما يَرجِعُ إلى كِفايَتِه، بخِلافِ الوَكيلِ والمُستَبضِعِ؛ فإنَّه مُتبرِّعٌ في عَملِه لِغَيرِه غَيرُ طامِعٍ في شَيءٍ مِنْ مالِه لِأجْلِه، وبخِلافِ الأجيرِ؛ لأنَّه عامِلٌ له ببَدلٍ مَضمونٍ في ذِمَّةِ المُستأجِرِ، وذلك يَحصُلُ له بيَقينٍ، فأمَّا هذا فغَيرُ مُتبرِّعٍ وليس هو مُستَوجِبًا بَدلًا مَضمونًا، بل


(١) «المغني» (٥/ ٢٤، ٢٥)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٠٣، ٦٠٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٧٥، ٥٧٦)، و «مطالب أولى النهى» (٣/ ٥٢٨، ٥٢٩)، و «البيان» (٧/ ٢١٢، ٢١٣)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٥٥، ٧٥٦)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٥٤)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٦٨، ٢٦٩)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٧٧)، و «الديباج» (٢/ ٤٣٦)
(٢) قال ابنُ القطانِ في «الإقناع» (٣/ ١٦٨٣) رقْم (٣٣٠٥): وأجمَعوا أنَّ له أن يُنفقَ على نفسِه نَفقةً بالمَعروفِ تَكونُ مَحتسبةً على المُضاربةِ إذا سافَر له قاصِدًا إلا الشافِعيّ؛ فإنَّه قال في إحدَى الرِّوايتَينِ عنه: ليسَ له ذلك إلا أن يَأذنَ له فيه ربُّه.
وقال ابنُ حزمٍ في «مراتب «الإجماع» ص (٩٣): واتَّفَقوا على أن للعامِل أن يُنفقَ من المالِ على المالِ نفسِه فيما لا بُدَّ للمَالِ منه وعلى نَفسِه في السَّفرِ. اه. وما ذَكراهُ من «الإجماع» والاتِّفاقِ غيرُ صَحيحٍ كما ذَكرتُه بالتَّفصيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>