للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]؛ فهذا يُبيِّنُ أنَّ التِّجارةَ قد تَكونُ غائِبةً وليس ذلك إلا بالبَيعِ بالنَّسيئةِ.

وهذا إذا باعَ إلى أجَلٍ مُعتادٍ، أمَّا إذا باعَ إلى أجَلٍ لا يَبيعُ التُّجارُ إليه، ولا هو مُعتادٌ لَم يَجُزْ؛ لأنَّهم العُمدةُ في هذا البابِ، ولأنَّ الأمرَ العامَّ يَنصرِفُ إلى المَعروفِ بينَ الناسِ، ولِهذا كان له أنْ يَستكريَ سَفينةً لِلرُّكوبِ وليس له شِراؤُها لِلرُّكوبِ، اعتِبارًا لِعادةِ التُّجارِ.

وذهَب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ وأبو يُوسُفَ ومُحمدٌ وأحمدُ في الرِّوايةِ الأُخرى إلى أنَّه ليس له أنْ يَبيعَ بالنَّسيئةِ، إلا بإذنِ رَبِّ المالِ؛ لأنَّه نائِبٌ في البَيعِ فلَم يَجُزْ له البَيعُ نَسيئةً بغَيرِ إذنٍ صَريحٍ فيه كالوَكيلِ، وذلك لأنَّ النائِبَ لا يَجوزُ له التَّصرُّفُ إلا على وَجهِ الحَظِّ والاحتِياطِ، وفي النَّسيئةِ تَغريرٌ بالمالِ، وقَرينةُ الحالِ تَقيُّدُ مُطلَقِ الكَلامِ فيَصيرُ كأنَّه قال له: «بِعْه حالًّا»، ولأنَّه قد يَتلَفُ رأسُ المالِ، فتَبقى العُهدةُ على المالِكِ.

وقال الشافِعيَّةُ: وإنْ باعَ بإذنِ رَبِّ المالِ جازَ، ويَجِبُ أنْ يَكونَ البَيعُ مِنْ ثِقةٍ مَليءٍ، ويَجِبُ عليه الإشهادُ؛ فإنْ تَرَكه ولَم يُشهِدْ ضمِن، ويَكتَفي بشاهِدٍ واحِدٍ وبمَستورٍ، ولا يَجِبُ عليه الإشهادُ في البَيعِ حالًّا؛ لأنَّه يَحبِسُ المَبيعَ إلى قَبضِ الثَّمنِ؛ فإنْ سلَّمَ المَبيعَ قبلَ قَبضِ الثَّمنِ ضمِن إلا أنْ يأذَنَ له المالِكُ في التَّسليمِ قبلَ قَبضِ الثَّمنِ، سلَّمه، ولَم يَلزمْه الإشهادُ ولا يَضمنُ لِلإذنِ؛ لأنَّ العادةَ تَركُ الإشهادِ في البَيعِ الحالِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>