للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ المُنذِرِ : أجمَعوا على أنَّ رَبَّ المالِ إذا نَهى العامِلَ أنْ يَبيعَ بنَسيئةٍ -فباعَ بنَسيئةٍ- ضامِنٌ (١)؛ لأنَّه لا تَجوزُ مُخالفةُ رَبِّ المالِ؛ لأنَّه مُتصرِّفٌ بالإذنِ، فلا يَتصرَّفُ في غَيرِ ما أذِنَ له فيه، كالوَكيلِ، ولأنَّ ذلك لا يَمنَعُ مَقصودَ المُضاربةِ، وقد يَطلُبُ بذلك الفائِدةَ في العادةِ (٢).

وإنْ أذِنَ له في البَيعِ نَسيئةً فباعَ نَسيئةً فلا ضَمانَ عليه إجماعًا.

أمَّا إذا لَم يَنهَه عن البَيعِ بنَسيئةٍ ولَم يَأمُرْه، اختَلَف العُلماءُ هل يَجوزُ له ذلك أو لا؟

فذهَب الإمامُ أبو حَنيفةَ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه يَجوزُ له أنْ يَبيعَ نَسَاءً؛ لأنَّ إذنَه في التِّجارةِ والمُضاربةِ يَنصرِفُ إلى التِّجارةِ المُعتادةِ، وهذا عادةُ التُّجارِ، فيَدخُلُ تَحتَ الإذنِ كلُّ ما هو تِجارةٌ، أو ما لا بُدَّ لِلتِّجارةِ منه، ولأنَّه يُقصدُ به الرِّبحُ، ولأنَّ الرِّبحَ في النَّسَاءِ أكثَرُ، وهو أقرَبُ إلى تَحصيلِ مَقصودِ رَبِّ المالِ، وهو الرِّبحُ، فالرِّبحُ في الأغلَبِ إنَّما يَحصُلُ بالبَيعِ بالنَّسيئةِ دونَ البَيعِ بالنَّقدِ، ولأنَّ تَسليطَ المُضارِبِ على المالِ ليس بمَقصودِ رَبِّ المالِ، إنَّما مَقصودُه تَحصيلُ الرِّبحِ بطَريقِ التِّجارةِ، وذلك حاصِلٌ، والدَّليلُ على أنَّ البَيعَ بالنَّسيئةِ تِجارةٌ مُطلَقةٌ قَولُ اللهِ : ﴿إِلَّا أَنْ


(١) «الإجماع» (٥٣٢)، وكذا نقل «الإجماع» ابن القطان الفاسي في «الإقناع» (٣٣٠٣): وأجمَع أهلُ العِلمِ على أنَّ العاملَ إذا نَهاهُ ربُّ المالِ أنْ يَبيعَ نَسيئةً فخالَف وباعَ نَسيئةً أنَّه ضامنٌ.
(٢) «المغني» (٥/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>