للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناظِرُ إلى الغَوصِ فيه، وتَدقيقِ النَّظرِ في دَرْكِه إلى هذا الحَدِّ، ولا بُدَّ أنْ يَكونَ لِلإجماعِ صُدورٌ عن أصلٍ، ويَبعُدُ في مُطَّرِدِ العُرفِ خَفاؤُه، فلا وَجهَ فيه إلا القَطعُ بأنَّهم ألِفوا هذه المُعاملةَ في عَصرِ رَسولِ اللهِ شائِعةً بينَ المُتعامِلينَ، وتَحقَّقوا التَّقريرَ عليها شَرعًا، وكان شُيوعُ ذلك في الخَلقِ أظهَرَ مِنْ أنْ يُحتاجَ فيه إلى نَقلِ أقاصيصَ، فكان الإجماعُ عن مِثلِ هذا (١).

وقال ابنُ رُشدٍ : والقِراضُ ممَّا كان في الجاهِليَّةِ، فأُقِرَّ في الإسلامِ؛ لأنَّ الضَّرورةَ دَعت إليه؛ لِحاجةِ الناسِ إلى التَّصرُّفِ في أموالِهم وتَنميتِها بالتِّجارةِ فيها، وليس كلُّ أحَدٍ يَقدِرُ على ذلك بنَفْسِه فاضطُرَّ فيه إلى استِنابةِ غَيرِه، ولعَلَّه لا يَجِدُ مَنْ يَعملُ له فيه بإجارةٍ لِما جَرَت عادةُ الناسِ فيه في ذلك على القِراضِ، فرُخِّص فيه لِهذه الضَّرورةِ، واستُخرِج بسَببِ هذه العِلةِ مِنَ الإجارةِ المَجهولةِ على نَحوِ ما رُخِّص فيه في المُساقاةِ وبَيعِ العاريَّةِ والشَّركةِ في الطَّعامِ والتَّوليةِ فيه، وصارَ لِهذا الوَجهِ سُنَّةٌ، فلا خِلافَ في جَوازِه بينَ الأُمَّةِ في الجُملةِ، وإنِ اختلَفوا في كَثيرٍ مِنْ شُروطِه وأحكامِه، عمِل به الصَّحابةُ والسَّلَفُ، واتَّبَعهم عليه الخَلفُ (٢).

وقد قاسَ الشافِعيَّةُ القِراضَ على المُساقاةِ؛ لأنَّها إنَّما جُوِّزت لِلحاجةِ مِنْ حيث إنَّ مالِكَ النَّخيلِ قد لا يُحسِنُ تَعهُّدَها ولا يَتفرَّغُ له، ومَن يُحسِنُ العَملَ قد لا يَملِكُ ما يَعملُ فيه، وهذا المَعنى مَوجودٌ في القِراضِ.


(١) «نهاية المطلب» (٧/ ٤٣٨، ٤٣٩).
(٢) «المقدمات الممهدات» (٣/ ٦)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>