للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ولهذا كان بعضُ العُلماءِ يقولُ: إجماعُهم حُجةٌ قاطِعةٌ، واختِلافُهم رَحمةٌ واسِعةٌ.
وكان عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يَقولُ: ما يَسرُّني أنَّ أصحابَ رَسولِ الله لم يَختلِفوا؛ لأنَّهم إذا اجتَمعُوا على قولٍ فخالَفهُم رجلٌ كان ضالًّا، وإذا اختَلفُوا فأخَذ رجلٌ بقولِ هذا، ورجلٌ بقولِ هذا كان في الأمرِ سَعةٌ. وكذلك قال غيرُ مالكٍ من الأئمةِ: ليسَ للفَقيهِ أن يَحمِلَ النَّاسَ على مَذهبِه.
ولهذا قال العُلماءُ «المصنفون» في الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكرِ من أَصحابِ الشافِعيِّ وغيرِه: إنَّ مِثلَ هذه المَسائلِ الاجتِهاديةِ لا تُنكرُ باليدِ، وليسَ لأحدٍ أن يُلزِمَ النَّاسَ باتِّباعِه فيها، ولكن يَتكلَّمُ فيها بالحُججِ العِلميةِ، فمَن تبَينَ له صِحةُ أحدِ القَولينِ تبِعه، ومن قلَّد أهلَ القولِ الآخرِ فلا إِنكارَ عليه ونَظائرُ هذه المَسائلِ كَثيرةٌ، مثل تَنازُعِ النَّاسِ في بيعِ الباقِلاءِ الأخضرِ في قشريه، وفي بَيعِ المقاشي جُملةً واحِدةً، وبَيعِ المُعاطاةِ والسَّلمِ الحالِّ، واستعمالِ الماءِ الكَثيرِ بعدَ وُقوعِ النَّجاسةِ فيه إذا لَم تغيِّرْه، والتَّوضؤِ من مسِّ الذَّكرِ والنِّساءِ، وخُروجِ النَّجاساتِ من غيرِ السَّبيلَينِ، والقَهقهةِ، وتَركِ الوُضوءِ من ذلك، والقِراءَةِ بالبَسملةِ سِرًّا أو جَهرًا وتَركِ ذلك، وتَنجيسِ بَولِ ما يُؤكلُ لحمُه ورَوثُه، أو القَولِ بطَهارةِ ذلك، وبَيعِ الأعيانِ الغائِبةِ بالصِّفةِ، وتَركِ ذلك، والتَّيممِ بضَربةٍ أو ضَربتَينِ إلى الكوعينِ أو المِرفَقينِ، والتَّيممِ لكلِّ صَلاةٍ أو لِوقتِ كلِّ صَلاةٍ، أو الاكتِفاءِ بتَيمُّمٍ واحِدٍ، وقَبولِ شَهادةِ أهلِ الذِّمةِ بعضِهم على بعضٍ أو المنعِ من قَبولِ شَهادتِهم.
ومن هذا البابِ الشَّركةُ بالعروضِ، وشَركةُ الوُجوهِ، والمُساقاةُ على جَميعِ أَنواعِ الشَّجرِ وعلى الأرضِ البَيضاءِ؛ فإنّ هذه المَسائلَ من جِنسِ شَركةِ الأبدانِ بل المانِعونُ من هذه المُشاركاتِ أكثرُ من المانِعينَ من شَركةِ الأبدانِ، ومع هذا فمازالَ المُسلمونَ من عهدِ نبيِّهم وإلى اليومِ في جَميعِ الأعصارِ والأَمصارِ يَتعامَلونَ بها، وبالمُساقاةِ، ولم يُنكرْه عليهم أحدٌ، ولو منَع النَّاسُ مثلَ هذه المُعاملاتِ لَتعطَّل كَثيرٌ من مَصالِحهمُ التي لا يُتَمم دينُهم ولا دُنياهُم إلا بها. =

<<  <  ج: ص:  >  >>