ولأنَّ استِحقاقَ الأجرِ في هذه الشَّركةِ بضَمانِ العَملِ، ولأنَّ العَملَ مَضمونٌ عليهما اتَّفق العَملانِ أو اختَلفا.
وذهَب المالِكيَّةُ وزُفَرُ مِنَ الحَنفيَّةِ وأبو الخَطَّابِ مِنَ الحَنابِلةِ إلى أنَّه يُشترطُ اتِّحادُ الصَّنعةِ، فلا تَصحُّ بينَ نَجَّارٍ وحَدَّادٍ؛ لأنَّ شَركةَ الأبدانِ أُجيزتْ لِلمُعاونةِ، وإذا اختلَفت الصَّنعةُ انتَفَت المُعاونةُ، ويَكونُ كلُّ واحِدٍ باعَ نِصفَ كَسبِه بنِصفِ كَسبِ صاحبِه لِغَيرِ ضَرورةٍ.
ولأنَّ أحدَهما لا رِفقَ له في مُشاركةِ الآخَرِ، فلا حاجةَ به إلى مُعاوَنتِه، ولا تَعلُّقَ لِكَسبِه بعَملِه؛ فإنَّما قصَد الغَررَ والقِمارَ فَقطْ، فلأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يُشارِكُ الآخَرَ فيما يَنفرِدُ بكَسبِه لِيُشارِكَه الآخَرُ في مِثلِ ذلك فلَم يَصحَّ، أصلُه إذا قال:«اتَّجِرْ في مالِك لِنَفْسِك وأتَّجِرُ أنا في مالي لِنَفْسي، فما رَبِحتُ فلك نِصفُه، وما رَبِحتَ أنتَ فلي نِصفُه».
ولأنَّ مُقتَضاها أنَّ ما يَتقبَّلُه كلُّ واحِدٍ منهما مِنَ العَملِ يَلزَمُه ويَلزمُ صاحِبَه، ويُطالَبُ به كلُّ واحِدٍ منهما؛ فإذا تَقبَّل أحَدُهما شَيئًا مع اختِلافِ صَنعَتَيْهما لَم يُمكِنِ الآخَرَ أنْ يَقومَ به، فكيف يَلزَمُه عَملُه وكيف يُطالَب بما لا قُدرةَ له عليه؟
إلا أنَّ المالِكيَّةَ أجازوا هذه الشَّركةَ إنْ تَلازمَ عَملُهما بأنْ كان أحَدُهما يَنسِجُ، والآخَرُ يُنيرُ أو يَدورُ، أو أحَدُهما يَصوغُ والآخَرُ يَسبِكُ له، أو أحَدُهما يَغوصُ لِطَلبِ اللُّؤلُؤِ والآخَرُ يُمسِكُ عليه ويُجدِّفُ؛ فالمُرادُ بالتَّلازُمِ تَوقُّفُ أحَدِ العَملَيْن على الآخَرِ (١).
(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٦٥)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ١٠)، و «الجوهرة النيرة» =