للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما يَمنعُ ابتِداءَ العَقدِ مِنَ التَّفاوُتِ في المالِ يَمنعُ بَقاءَه حتى لو كان المالانِ سَواءً يَومَ العَقدِ، ثم ازدادت قيمةُ أحَدِهما قبلَ الشِّراءِ فسَدت المُفاوضةُ وصارت عِنانًا، بخِلافِ ما لو زاد بعدَ الشِّراءِ بالمالَيْن؛ لأنَّ الشَّركةَ انتَقلت إلى المُشتَري؛ فإنَّما تَغيَّر سِعرُ رأسِ المالِ بعدَ خُروجِه عن الشَّركةِ فيه (١).

وقال المالِكيَّةُ: شَركةُ المُفاوضةِ: هي أنْ يُفوِّضَ كلُّ واحِدٍ منهما إلى الآخَرِ التَّصرُّفَ والبَيعَ والشِّراءَ، حضَر الآخَرُ أو غابَ، وتَكونُ يَدُه كيَدِه، ولا يَكونانِ شَريكَيْن إلا بقَدْرِ ما يَعقِدانِ الشَّركةَ عليه، دونَ ما يَنفرِدُ أحَدُهما بمِلكِه مما لَم يَدخلْه في رأسِ مالِ الشَّركةِ، ويَجوزُ فيها تَساوي رُؤوسِ الأموالِ وتَفاضُلُها؛ إذا كان العَملُ والرِّبحُ بقُدرةِ اللهِ.

فإنْ أطلَقَ كلُّ واحِدٍ التَّصرُّفَ -وإنْ كان الإطلاقُ في نَوعٍ خاصٍّ- لِصاحبِه بالبَيعِ والشِّراءِ والأخذِ والعَطاءِ دونَ تَوقُّفٍ على إذنِ الآخرِ، فهي شَركةُ مُفاوَضةٍ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ فَوَّضَ لِصاحبِه التَّصرُّفَ، إلا أنَّها إذا لَم تُقيَّدْ بنَوعٍ تُسمَّى مُفاوضةً عامَّةً، وإذا خُصَّت بنَوعٍ -كشِراءِ الرَّقيقِ- سُمِّيت مُفاوضاتٍ خاصَّةً، أي: بنَوعِ الذي أُطلِق التَّصرُّفَ فيه.

وسُمِّيت مُفاوضةً لِاستِوائِهما في الرِّبحِ والضَّمانِ وشُروعِهما في الأخذِ والإعطاءِ، مِنْ قَولِهم: تَفاوَض الرَّجلانِ في الحَديثِ؛ إذا شرَعا فيه، وهي جائِزةٌ على ما يَتفاوضانِ عليه مِنَ الأجزاءِ.


(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٥٨)، و «الاختيار» (٣/ ١٤، ١٥)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٢١)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٧٩)، و «اللباب» (١/ ٥٢٤، ٥٢٥)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ١٥٦)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>