ومِن أصحابِنا مَنْ قال: متى اعتَرَف بالكِتابِ والدَّينِ لَزِمَتْه الحَوالةُ، وإنْ أنكَرَ الإرادةَ اعتِمادًا على العُرفِ، وأنَّ الوُصولَ إلى الإرادة مُتعذَّرٌ، فلو لَم يَعترِفْ بالكِتابِ لكنْ أجابَ إلى دَفعِ المالِ لِيَكونَ مَضمونًا عليه إلى أنْ تَصحَّ الحَوالةُ جازَ، واختَلَف أصحابُنا هل يَجوزُ له استِرجاعُ المالِ منه قبلَ صِحَّةِ الحَوالةِ على وَجهَيْنِ: أحَدُهما: لا يَجوزُ، اعتِبارًا بالشَّرطِ، وأنَّ له استِرجاعَه بعدَ العِلمِ ببُطلانِ الحَوالةِ.
والوَجْهُ الآخَرُ: وهو قَولُ أبي عَبدِ اللهِ الزُّبَيريِّ: يَجوزُ له استِرجاعُ المالِ منه مَتى شاءَ، ما لَم تَثبُتْ صِحَّةُ الحَوالةِ؛ لأنَّ المالَ لا يَلزَمُه إلا بعدَ صِحَّةِ الحَوالةِ.
أمَّا إذا كانَتِ السَّفتَجةُ بلَفظِ الأمْرِ، والرِّسالةُ لَم تَلزَمِ المَكتوبَ إليه؛ إلا أنْ يَضمَنَها لَفظًا، سَواءٌ اعتَرَف بالكِتابِ والدَّينِ أو لا، وهو قَولُ مُحمدِ بنِ الحَسنِ، وقال أبو يُوسُفَ: إذا قرأها وتَرَكها تَرْكَ رِضًا لَزِمَتْه، وقال غَيرُه مِنَ العِراقيِّينَ: إذا أثبَتَها في حِسابِه لَزِمَتْه.
وكلُّ هذا عِندَنا لا يَلزَمُ به السَّفتَجةُ، وكذلك لو كتَب على ظَهرِها:«صَحيحةٌ قد قَبِلتُها»، حتى يَضمَنَها لَفظًا ثم لا تَلزَمُ الكاتِبَ إلا أنْ يَعترِفَ بها لَفظًا، فلا تَلزَمُه باعتِرافِه بالخَطِّ، ومِن أصحابِنا مَنْ قال: إنِ اعتَرَف بالخَطِّ لَزِمَه، وهو قَولُ مَنْ زعَم أنَّ المَكتوبَ إليه إنِ اعتَرَف بالخَطِّ في الحَوالةِ لَزِمتْه، وهو غيرُ صَحيحٍ في المَوضِعَيْنِ (١).
(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٤٦٧، ٤٦٨)، و «البيان» (٥/ ٤٦٢)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٢٨٥).