للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما تَحرُمُ الهَديَّةُ يَحرُمُ مُبايَعةُ المَدينِ وذي الجاهِ والقاضي لِرَبِّ الدَّينِ مُسامحةً -أي: بغَبنٍ بغَيرِ ثَمَنِ المِثليِّ- لِذلك، لا لِأجْلِ وَجْهِ اللهِ ، أو لِأجْلِ أمْرٍ اقتَضى ذلك، وسَواءٌ كان قبلَ الأجَلِ، أو بعدَه، وحَيثُ لا مُسامَحةَ لا تَحريمَ، فيَحتمِلُ الجَوازَ والكَراهةَ، وهُما قَولانِ (١).

وقال الحَنابِلةُ: إنْ أهدى المُقرِضُ لِلمُقترِضِ مِنْ غيرِ شَرطٍ قبلَ الوَفاءِ لَم يَقبَلْه ولَم يَجُزْ قَبولُه إلا أنْ يُكافِئَه، أو يَحسُبَه مِنْ دَينِه، إلا أنْ يَكونَ شَيئًا جَرَتِ العادةُ به بينَهما قبلَ القَرضِ؛ لِما رَوَى الأثرَمُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ عَلَى سَمَّاكٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، فَجعَل يُهْدِي إِلَيْهِ السَّمَكَ وَيُقَوِّمُهُ، حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «أَعْطِهِ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ» (٢).

وعنِ ابنِ سِيرينَ أَنَّ عُمرَ أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ، فرَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فأَتَاهُ أُبَيٌّ فقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً، وَأنَّه لا حَاجَةَ لَنَا، فبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بعدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ.

قال ابنُ القَيِّمِ: فكان رَدُّ عُمرَ لمَّا تَوهَّمَ أنْ تَكونَ هَديَّتُه بسَبَبِ


(١) «تحبير المختصر» (٤/ ٧١، ٧٢)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٣٦١، ٣٦٣)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٦٠٨، ٦٠٩)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٤٠٦)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ٢٣٠، ٢٣١)، و «حاشية الصاوي» (٧/ ١٨٤).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه البيهقي (١٠٧١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>