وهَديَّةُ رَبِّ القَرضِ لِلعامِلِ حَرامٌ؛ لِئلَّا يَقصِدَ بذلك أنْ يَستديمَ العَمَلَ فيَصيرَ سَلَفًا جَرَّ مَنفَعةً، وكذلك يَحرُمُ هَديَّةُ العامِلِ لِرَبِّ المالِ ولو بعدَ شُغلِ المالِ، أمَّا قبلَ الشُّغلِ فبلا خِلافٍ؛ لأنَّ لِرَبِّ المالِ أخْذَه منه فيُتَّهَمُ بأنَّه إنَّما أهدى إليه لِيَبقى المالُ بيَدِه، وأمَّا بعدَ شُغلِ المالِ فعلى المَشهورَ، وقيلَ: تَجوزُ، وهُما مَبنيَّانِ على اعتِبارِ الحالِ، فتَجوزُ لِعَدَمِ قُدرةِ رَبِّ المالِ على انتِزاعِه منه حينَئذٍ، أو على اعتِبارِ المآلِ، وهو أنْ يَترقَّبَ مِنْ رَبِّ المالِ بعدَ نُضوضِ هذا المالِ أنْ يُعامِلَه مَرَّةً أُخرى لِأجْلِ هَديَّتِه له.
ولا يَجوزُ لِذي الجاهِ أخذُ مالٍ على جاهِه إنْ لَم يَتقدَّمْ مِثلُها أو يَحدُثْ مُوجِبٌ، وكذلك لا يَجوزُ لِلقاضي أخْذُ هدايا الناسِ بحَيثُ يُتوصَّلُ بالهَديَّةِ له إلى أمْرٍ مَمنوعٍ، أو إلى أمْرٍ يَجبُ على ذي الجاهِ دَفعُه عن المُهدي بلا تَعَبٍ ولا حَرَكةٍ، وأمَّا كَونُه يَتوصَّلُ بذلك إلى أنْ يَذهَبَ به في قَضاءِ مَصالِحِه إلى نَحوِ ظالِمٍ أو سَفَرٍ لِمَكانٍ فيَجوزُ كالهَديَّةِ له لا لِحاجةٍ، وإنَّما هي لِمَحبَّةٍ أو اكتِسابِ جاهٍ.
ويَجوزُ لِمَنْ حَبَسه السُّلطانُ أو غَيرُه ظُلمًا أنْ يَبذُلَ مالًا لِمَنْ يَتكلَّمُ في خَلاصِه بجاهِهِ أو غَيرِه، وهي على هذا جائِزةٌ لِلدافِعِ، حَرامٌ لِلآخِذِ؛ لأنَّ تَخليصَ المَظلومِ واجِبٌ على كلِّ مَنْ قَدَرَ عليه.
إلا أنْ يَتقدَّمَ لِمَنْ أهدى لِمَنْ ذُكِرَ -هو المُقرِضُ ورَبُّ القِراضِ وعامِلُه والقاضي وذو الجاهِ- هَديَّةٌ مِثلُها، أو يَحدُثَ لِمَنْ ذُكِرَ مُوجِبٌ يَقتَضي الإهداءَ له عادةً، كفَرَحٍ أو مَوتِ أحَدٍ عندَه أو سَفَرٍ ونَحوِ ذلك، وكان الإهداءُ لِذلك، لا لِلدَّينِ فيَجوزُ.