للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا مِنْ بابِ حُسنِ القَضاءِ وأنَّه أمْرٌ مَندوبٌ إليه؛ لِحَديثِ أبي رافِعٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ استَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكرًا، فقَدِمَتْ عليه إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، فأَمَرَ أبَا رافِعٍ أنْ يَقضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فرجَع إليه أبو رافِعٍ فقالَ: لَم أجِدْ فيها إلا خِيارًا ربَاعِيًّا، فقال: «أَعطِهِ إِيّاهُ، إنَّ خِيارَ الناسِ أَحسَنُهُمْ قَضَاءً» (١).

ولأنَّه لَم يَجعَلْ تلك الزِّيادةَ عِوَضًا في القَرضِ ولا وَسيلةً إليه ولا إلى استِيفاءِ دَيْنِه، فحَلَّتْ كما لو لَم يَكُنْ هناك قَرضٌ.

وقال ابنُ موسى : إذا زاده بعدَ الوَفاءِ فعادَ المُستقرِضُ بعدَ ذلك يَلتَمِسُ منه قَرضًا آخَرَ ففَعَل لَم يأخُذْ إلا مِثلَ ما أعطاه؛ فإنْ أخَذَ زيادةً أو أجوَدَ مما أعطاه كان حَرامًا قَولًا واحِدًا.

واختَلَفوا فيما إذا كان الرَّجُلُ مَعروفًا بحُسنِ القَضاءِ إما أكثَرَ مما اقتَرَض أو أجوَدَ منه، فهل يَجوزُ إقراضُه مُطلَقًا أو لا؟

فقال الشافِعيَّةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ في المَذهبِ: يَجوزُ إقراضُه مِنْ غيرِ شَرطٍ؛ لأنَّ الزِّيادةَ مَندوبٌ إليها في القَضاءِ، فلا يَمنَعُ مِنْ جَوازِ القَرضِ، ولأنَّ النَّبيَّ كان مَعروفًا بحُسنِ القَضاءِ، فهل يَسوغُ لِأحَدٍ أنْ يَقولَ: إنَّ إقراضَه مَكروهٌ؟ ولأنَّ المَعروفَ بحُسنِ القَضاءِ خَيرُ الناسِ وأفضَلُهم، وهو أوْلى الناسِ بقَضاءِ حاجَتِه وإجابةِ مَسألَتِه وتَفريجِ كُربَتِه،


(١) يُنظر: «كشاف القناع» (٣/ ٣٦٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٣٢٢)، و «الروض المربع» (٢/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>