للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ذَكَره في القَرضِ جازَ في البَيعِ أيضًا، كما قَدَّمناه عن الذَّخيرة مِنْ قَولِه: «يَومَ وَقَع البَيعُ … » إلخ.

ثم اعلَمْ أنَّ الذي فُهِمَ مِنْ كَلامِهم أنَّ الخِلافَ المَذكورَ إنما هو في الفُلوسِ والدَّراهِمِ الغالِبةِ الغِشِّ، ويَدلُّ عليه أنَّه في بَعضِ العِباراتِ اقتَصَر على ذِكرِ الفُلوسِ في بَعضِها ذَكَر العَدالِيَّ معها، وهي كما في البَحرِ عن البِنايةِ بفتح العَينِ المُهمَلةِ والدالِ وكَسرِ اللَّامِ: دَراهِمُ فيها غِشٌّ، وفي بَعضِها تَقييدُ الدَّراهِمِ بغالِبةِ الغِشِّ، وكذا تَعليلُهم قَولَ الإمامِ ببُطلانِ البَيعِ بأنَّ الثَّمَنيَّةَ بَطَلتْ بالكَسادِ؛ لأنَّ الدَّراهِمَ التي غلَب غِشُّها إنما جُعِلتْ ثَمَنًا بالاصطِلاحِ، فإذا تَرَكَ الناسُ المُعامَلةَ بها بَطَل الاصطِلاحُ، فلم تَبْقَ ثَمَنًا، فبَقيَ البَيعُ بلا ثَمَنٍ فبَطَل.

ولم أرَ مَنْ صرَّح بحُكمِ الدَّراهِمِ الخالِصةِ أو المَغلوبةِ الغِشِّ سِوى ما أفادَه الشارِحُ هنا.

ويَنبَغي أنَّه لا خِلافَ في أنَّه لا يَبطُلُ البَيعُ بكَسادِها، ويَجبُ على المُشتَري مِثلُها في الكَسادِ والانقِطاعِ والرُّخصِ والغَلاءِ، أمَّا عَدَمُ بُطلانِ البَيعِ فلأنَّها ثَمَنُ خِلقةٍ، فتَركُ المُعامَلةِ بها لا يُبطِلُ ثَمنيَّتَها، فلا يَتأتَّى تَعليلُ البُطلانِ المَذكورِ، وهو بَقاءُ البَيعِ بلا ثَمَنٍ، وأمَّا وُجوبُ مِثلِها -وهو ما وَقَع عليه العَقدُ، كمِئةِ ذهَب مُشخَّصٍ، أو مِئةِ ريالٍ أفرَنجيٍّ- فلِبَقاءِ ثَمَنيَّتِها أيضًا وعَدَمِ بُطلانِ تَقوُّمِها، وتَمامُ بَيانِ ذلك في رِسالَتِنا (تَنبيهُ الرُّقودِ في أحكامِ النُّقودِ) (١).


(١) «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٥٣٣، ٥٣٥)، ويُنظر: «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٣٧٣، ٣٧٨)، و «المحيط البرهاني» (٢/ ٢٧٦)، و «البحر الرائق» (٦/ ٢١٩)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>