وهذه أماراتُ المِلكِ، وكذا مأخَذُ الاسمِ دَليلٌ عليه؛ فإنَّ القَرضَ قَطعٌ في اللُّغةِ، فيَدلُّ على انقِطاعِ مِلكِ المُقرِضِ بالتَّسليمِ نَفْسِه.
وقال أبو يُوسُفَ ﵀ والشافِعيَّةُ في قَولٍ: لا يُملَكُ بالقَبضِ، بل يُملَكُ بالتَّصرُّفِ بعدَ القَبضِ؛ لأنَّه عَقدُ إرفاقٍ، ولِلمُقرِضِ بعدَ القَبضِ استِرجاعُه، ولِلمُقترِضِ رَدُّه، فدَلَّ على أنَّه لَم يَحصُلْ له مِلكُه.
ووَجهُ قَولِ أبي يُوسُفَ أنَّ الإقراضَ إعارةٌ، بدَليلِ أنَّه لا يَلزَمُ فيه الأجَلُ، ولو كان مُعاوَضةً لَلَزِمَ، كما في سائِرِ المُعاوَضاتِ، وكذا لا يَملِكُه الأبُ والوَصيُّ والعَبدُ المأذونُ والمُكاتَبُ، وهؤلاء لا يَملِكونَ المُعاوَضاتِ.
وكذا إقراضُ الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ لا يَبطُلُ بالافتِراقِ قبلَ قَبضِ البَدلَيْنِ، وإنْ كان مُبادَلةً لَبطَل؛ لأنَّه صَرفٌ، والصَّرفُ يَبطُلُ بالافتِراقِ قبلَ قَبضِ البَدلَيْنِ، وكذا إقراضُ المَكيلِ لا يَبطُلُ بالافتِراقِ ولو كان مُبادَلةً لبطَل؛ لأنَّ بَيعَ المَكيلِ بمَكيلٍ مِثلِه في الذِّمَّةِ لا يَجوزُ، فثَبَت بهذه الدَّلائِلِ أنَّ الإقراضَ إعارةٌ، فبَقيَتِ العَينُ على حُكمِ مِلكِ المُقرِضِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٩٥)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ١٥٧)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ١٤٣)، و «البحر الرائق» (٦/ ٢٢٠)، و «مجمع البحرين» (٣/ ١١٨)، و «حاشية ابن عابدين» (٥/ ١٦٤)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ٥٥)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٣٦٠)، و «مواهب الجليل» (٦/ ١٦٣)، و «البهجة في شرح التحفة» (٢/ ٢٠)، و «الشرح الصغير» (٦/ ٢٨٩)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٢٥٨)، و «البيان» (٥/ ٤٦١)، و «حواشي الشرواني» (٥/ ٤٤)، و «المغني» (٤/ ٢١٤)، و «كشاف القناع» (٣/ ٣٦٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٣٢٥)، و «الإنصاف» (٥/ ١٢٦، ١٢٧)، و «الروض المربع» (٢/ ٦)، و «الإيمان والرد على أهل البدع» (٢/ ١٣).