ولأنَّ مَنْ له دَينٌ على رَجُلٍ أنْ يُوكِّلَ عليه، ولا يَمنَعُ مِنَ الوَكالةِ رِضا المُحالِ عليه، وأيضًا فإنَّه أداءُ حَقِّ مَنْ عليه دَينٌ والبَراءةُ منه، لا أكثَرُ مِنْ ذلك، فإذا وَكَّلَ عليه فقبَضه الوَكيلُ فقد بَرِئَ الغَريمُ، وكذلك إذا أُحيلَ عليه به فدَفَعَه لِلمُحالِ عليه.
ولا يُشترَطُ رِضاه إلا إذا كان بَينَه وبَينَ المُحالِ عَداوةٌ سابِقةٌ على وَقتِ الحَوالةِ فلا تَصحُّ الحَوالةُ حينَئذٍ على المَشهورِ وهو قَولُ مالِكٍ، فإنْ حَدَثتِ العَداوةُ بعدَ الحَوالةِ مُنِعَ المُحالُ مِنْ اقتِضاءِ الدَّينِ مِنَ المُحالِ عليه، ووَكَّلَ مَنْ يَقتَضيه منه؛ لِئَلَّا يُبالِغَ في إيذائِه بعُنفِ مُطالَبَتِه.
وذلك لِكَونِ العَداوةِ إذا ثَبَتتْ عُلِمَ أنَّه قَصَدَ الإضرارَ والتَشفِّي مِنَ العَدُوِّ وإيصالَ الأذى إليه بكلِّ ما يَقدِرُ عليه، ولِهذا رُدَّتْ شَهادةُ العَدُوِّ على عَدُوِّه؛ لِحُصولِ التُّهمةِ في قَصدِ الأذى بالشَّهادةِ.
إلا أنَّ الشافِعيَّةَ قالوا: يُشترَطُ رِضاه قَطعًا إذا لَم يَكُنْ عليه دَينٌ لِلمُحيلِ، فإنْ كان عليه دَينٌ فلا يُشترَطُ رِضاه في الأصِحِّ كما سَبَق (١).
(١) يُنظر: «التلقين» (٣/ ١/ ١١، ١٣)، و «الإشراف» (٣/ ٥٧، ٥٨)، و «المعونة» (٢/ ٢٠٠)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٤/ ٥٢٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٠١)، و «التاج الجليل» (٤/ ١١٣)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٤٣٢)، و «البيان» (٦/ ٢٨٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٥٤)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ٤٨٥)، و «الديباج» (٢/ ٢٧٢)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٤٧١)، و «المغني» (٤/ ٣٣٦)، و «الإنصاف» (٥/ ٢٢٧)، و «كشاف القناع» (٣/ ٤٥٠، ٤٥١)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٤٠٠)، و «الإفصاح» (١/ ٤٣٨)، و «الروض المربع» (٢/ ٣٤).