للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الحَوالةَ تَصرُّفٌ على المُحالِ عليه بنَقلِ الحَقِّ إلى ذِمَّتِه فلا يَتِمُّ إلا بقَبولِه ورِضاه بخِلافِ التَّوكيلِ بقَبضِ الدَّينِ؛ لأنَّه ليس تَصرُّفًا عليه بنَقلِ الواجِبِ إليه ابتِداءً، بل هو تَصرُّفٌ بأداءِ الواجِبِ، فلا يُشترَطُ قَبولُه ورِضاه، ولأنَّ الناسَ في اقتِضاءِ الدُّيونِ والمُطالَبةِ بها على التَّفاوُتِ، بَعضُهم أسهَلُ مُطالَبةً واقتِضاءً، وبَعضُهم أصعَبُ، فلا بُدَّ مِنْ قَبولِه لِيَكونَ لُزومُ ضَرَرِ الصُّعوبةِ مُضافًا إلى التِزامِه (١).

وذهَب المالِكيَّةُ في المَشهورِ والشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يُشترَطُ رِضا المُحالِ عليه، بل يُجبَرُ على دَفعِ الدَّينِ الذي عليه لِمَنْ أُحيلَ به عليه؛ لإقامةِ المُحيلِ المُحتالَ مَقامَ نَفْسِه في القَبضِ مع جَوازِ استِيفائِه بنَفْسِه ونائِبِه، فلَزِمَ المُحالَ عليه الدَّفعُ إليه كالوَكيلِ.

ولقَولِ النَّبيِّ : «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفظٍ: «وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» (٢)، ولَم يُشترَطْ رِضا الذي عليه الحَقُّ وإنَّما شُرِطَ في ذلك رِضا المُحيلِ؛ لأنَّه هو الذي يَتبَعُ مَنْ له عليه الدَّينُ على مَنْ له هو عليه مِثلُه، ولأنَّ الحَقَّ هو لِلمالِكِ فله أنْ يُملِّكَه مَنْ شاءَ، كسائِرِ الحُقوقِ.


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٧) «الهداية» (٣/ ٩٩)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٦٦)، و «الاختيار» (٣/ ٤)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٩)، و «ابن عابدين» (٥/ ٣٤١)، و «اللباب» (١/ ٥٨٥)، و «البيان» (٦/ ٢٨٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٥٤)، و «الإفصاح» (١/ ٤٣٨).
(٢) رواه البخاري (٢٢٨٧)، ومسلم (١٥٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>