إمَّا أنْ يَكونَ الطَّريقُ نافِذًا، وإمَّا ألَّا يَكونَ نافِذًا، فإذا كان نافِذًا فخاصَمَه رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ وأرادَ طَرحَه فصالَحَه على مالٍ فالصُّلحُ باطِلٌ؛ لأنَّ رَقَبةَ الطَّريقِ النافِذِ لا تَكونُ مِلكًا لِأحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ، وإنما لهم حَقُّ المُرورِ، وهو ليس بحَقٍّ ثابِتٍ في رَقَبةِ الطَّريقِ، بل هو عِبارةٌ عن وِلايةِ المُرورِ، وهي صِفةُ المارِّ، فلا يَجوزُ الصُّلحُ عنه مع أنَّه لا فائِدةَ في هذا الصُّلحِ؛ لأنَّه إنْ سَقَطَ حَقُّ هذا الواحِدِ بالصُّلحِ فللباقينَ حَقُّ القَلعِ، وكذا لو صالَحَ الثاني مع هذا المُتقدِّمِ إليه على مالٍ يُؤخَذُ مِنَ المُتقدِّمِ إليه الطَّرحُ، فالصُّلحُ باطِلٌ؛ لأنَّ الطَّرحَ واجِبٌ عليه، فأخْذُ المالِ عنه يَكونُ رَشوةً، هذا إذا كان الطَّريقُ نافِذًا.
فأمَّا إذا لَم يَكُنْ نافِذًا فصالَحَه رَجُلٌ مِنْ أهلِ الطَّريقِ على مالٍ لِلتَّركِ فالصُّلحُ جائِزٌ؛ لأنَّ رَقَبةَ الطَّريقِ هنا مَملوكةٌ لِأهلِ السِّكَّةِ، فكان لِكُلِّ واحِدٍ منهم فيها مِلكٌ، فجازَ الصُّلحُ عنه.
ولو ادَّعى على رَجُلٍ مالًا وأنكَرَ المُدَّعَى عليه ولا بَيِّنةَ لِلمُدَّعِي فطَلَب منه اليَمينَ فصالَحَ عن اليَمينِ على ألَّا يَستَحلِفَه جازَ الصُّلحُ وبَرِئُ مِنَ اليَمينِ، وكذا إذا قال المُدَّعَى عليه:«صالَحتُكَ مِنَ اليَمينِ التي وَجَبتْ لكَ علَيَّ»، أو قال:«افتَدَيتُ منكَ يَمينَكَ بكذا وكذا»، صَحَّ الصُّلحُ؛ لأنَّ هذا صُلحٌ عن حَقٍّ ثابِتٍ لِلمُدَّعِي؛ لأنَّ اليَمينَ حَقُّ المُدَّعِي قبلَ المُدَّعَى عليه.
قال النَّبيُّ ﷺ في قِصةِ الحَضرَميِّ والكِنْدِيِّ:«ألَكَ بَيِّنةٌ؟»، قال: لا، قال:«إذَنْ لَكَ يَمينُه»، فجَعَل اليَمينَ حَقَّ المُدَّعِي، فكان هذا صُلحًا عن حَقٍّ ثابِتٍ شَرعًا لِلمُدَّعِي، وكذا المِلكُ في المُدَّعِي ثابِتٌ في