- حتى لو أنَّ امرأةً طَلَّقَها زَوجُها ادَّعتْ عليه صَبيًّا في يَدِه أنَّه ابنُه منها وجحَد الرَّجُلُ فصالَحَتْ عنِ النَّسَبِ على شَيءٍ فالصُّلحُ باطِلٌ؛ لأنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبيِّ، لا حَقُّها، فلا تَملِكُ الاعتياضَ عن حَقِّ غَيرِها، ولأنَّ الصُّلحَ إمَّا إسقاطٌ أو مُعاوَضةٌ، والنَّسَبُ لا يَحتمِلُهما.
ولو صالَحَ الشَّفيعُ مِنَ الشُّفعةِ التي وَجَبتْ له على شَيءٍ على أنْ يُسلِّمَ الدارَ لِلمُشتَري فالصُّلحُ باطِلٌ؛ لأنَّه لا حَقَّ لِلشَّفيعِ في المَحَلِّ، إنَّما الثابِتُ له حَقُّ التَّمليكِ، وهو ليس لِمَعنًى في المَحَلِّ، بل هو عِبارةٌ عن الوِلايةِ، وهي صِفةُ الوالي فلا يَحتمِلُ الصُّلحَ عنه، بخِلافِ الصُّلحِ عن القِصاصِ؛ لأنَّ المَحَلَّ هناكَ يَصيرُ مَملوكًا في حَقِّ الاستِيفاءِ، فكان الحَقُّ ثابِتًا في المَحَلِّ، فمَلَكَ الاعتياضَ عنه بالصُّلحِ، فهو الفَرقُ.
وكذلك الكَفيلُ بالنَّفسِ إذا صالَحَ على مالٍ أنْ يُبرِئَه مِنَ الكَفالةِ، فالصُّلحُ باطِلٌ؛ لأنَّ الثابِتَ لِلطالِبِ قبلَ الكَفيلِ بالنَّفْسِ حَقُّ المُطالَبةِ بتَسليمِ المَكفولِ نَفْسَه بنَفْسِه، وذلك عِبارةٌ عن وِلايةِ المُطالَبةِ، وهي صِفةُ الوالي فلا يَجوزُ الصُّلحُ عنها، فأشبَهَ الشُّفعةَ، وهل تَبطُلُ الكَفالةَ، فيه رِوايتانِ: في رِوايةٍ لا تَبطُلُ؛ لأنَّه ما رَضيَ بسُقوطِ حَقِّه إلا بعِوَضٍ، ولَم يُسلَّمْ له، فلا يَسقُطُ حَقُّه، وفي رِوايةٍ يَسقُطُ؛ لأنَّ الإبراءَ لا تَقِفُ صِحَّتُه على العِوَضِ فيَصحُّ، وإنْ لَم يُسلِّمِ العِوَضَ فإذا صَحَّ أنَّه إسقاطٌ فالساقِطُ لا يَحتمِلُ العَوْدَ.
وإذا كان لِرَجُلٍ ظُلَّةٌ -أي: مِظلَّةٌ- على طَريقٍ، أو كَنيفُ شارِعٍ أو مِيزابُه فخاصَمَه رَجُلٌ وأرادَ أنْ يَطرَحَه فصالَحَه على مالٍ، فهذا لا يَخلو مِنْ وَجهَيْنِ: