للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافِعيَّةُ: ما ليس بمالٍ ولا يَؤُولُ إلى المالِ -كحَدِّ القَذفِ- لا يَصحُّ الصُّلحُ عليه بعِوَضٍ، وكذا كلُّ حَدٍّ مِنْ حُدودِ اللهِ ؛ كالزِّنا والسَّرِقةِ، كأنْ يُصالِحَ زانِيًا على ما يأخُذُه منه على ألَّا يَرفَعَ أمرَه إلى القَضاءِ -مَثَلًا- كي لا يُقيمَ عليه الحَدَّ، لَم يَصحَّ الصُّلحُ؛ لأنَّ الحدَّ حَقُّ اللهِ ، ولا يَصحُّ الاعتياضُ عن حَقِّ الغَيرِ على أنَّ الصُّلحَ مِنَ الحُدودِ صُلحٌ يُحِلُّ الحَرامَ، فلا يَجوزُ.

لِمَا رُويَ عَنْ أَبِي هُريرةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَا: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فقَالُوا لي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، ففَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِئَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فقَالَ النَّبِيُّ : «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فارْجُمْهَا»، فغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا (١).

ويَحرُمُ الصُّلحُ على إشراعِ الجَناحِ أو الساباطِ بعِوَضٍ، وإنْ صالَحَ عليه


(١) رواه البخاري (٢٦٩٥) بَابُ (إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ)، ومسلم (١٦٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>