للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحَنابِلةُ: المُفلِسُ: هو مَنْ لَزِمَه أكثَرُ مِنْ مالِه.

ولا يُطالَبُ المَدينُ ولا يُحجَرُ عليه بدَينٍ لَم يَحِلَّ؛ لأنَّه لا يَلزَمُه أداؤُه قبلَ حُلولِه، ولا يَستحِقُّ المُطالَبةَ به، فلَم يَملِكْ مَنعَه مما له بسَبَبِه.

لكنْ لو أرادَ سَفَرًا طَويلًا يَحِلُّ دَينُه قبلَ قُدومِه منه فلِغَريمِه مَنعُه حتى يُوثِّقَه برَهنٍ يُحرَزُ، أو كَفيلٍ مَليءٍ؛ لأنَّه ليس له تأخيرُ الحَقِّ عن مَحَلِّه، وفي السَّفَرِ تأخيرُه، وكذا إنْ كان لا يَحِلُّ قَبلَه، فله مَنعُه أيضًا.

ولا يَحِلُّ دَينٌ مُؤجَّلٌ بجُنونٍ؛ لأنَّ الأجَلَ حَقٌّ له، فلا يَسقُطُ بجُنونِه.

وكذا لا يَحِلُّ بمَوتٍ إنْ وَثَّقَه وَرَثتُه برَهنٍ يُحرَزُ أو كَفيلٍ مَليءٍ؛ لقَولِ النَّبيِّ : «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» (١)، والأجَلُ حَقٌّ لِلمَيِّتِ، فيَنتَقِلُ إلى ورَثَتِه؛ ولأنَّه لا يَحِلُّ به مالُه فلا يَحِلُّ به ما عليه، كالجُنونِ.

ويَجبُ على مَدينٍ قادِرٍ وَفاءُ دَينٍ حالٍّ فَورًا بطَلَبِ رَبِّه؛ لقَولِ النَّبيِّ : «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلمٌ» (٢).

وإنْ مَطَلَه حتى شَكاه (٣) وَجَب على الحاكِمِ أمْرُه بوَفائِه، فإنْ أبَى


(١) رواه البخاري (٢٢٩٧)، ومسلم (١٦١٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وقد تقدَّم.
(٣) سُئلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ في «مجموع الفتاوي» (٣٠، ٢٤، ٢٥): عمَّن عليه دَينٌ فلَم يوفِّه حتى طُولِب به عندَ الحاكم وغيرِه وغرِم أُجرَة الرِّحلة، هلِ الغُرمُ على المَدينِ أم لا؟
فأجاب: الحمدُ للهِ، إذا كان الذي عليه الحقُّ قادرًا على الوَفاءِ ومَطلَه حتى أحوَجه إلى الشِّكايةِ فما غرمه بِسببِ ذلك فهُو على الظَّالمِ المُماطِلِ إذا غرَّمه على الوَجهِ المُعتادِ.
وجزمَ بذلك أيضًا ابنُ مُفلحٍ في «الفروع» (٤/ ٢٢٤)، و «المبدع» (٤/ ٣٠٨)، وانظرْ: «الإنصاف» (٥/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>