للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وِلايةٌ، فقُدِّمَ فيها الأبُ، كوِلايةِ النِّكاحِ، ولِكَمالِ شَفَقَتِه، ويُشترَطُ في الأبِ أنْ يَكونَ رَشيدًا عاقِلًا حُرًّا عَدلًا -ولو ظاهِرًا-؛ لأنَّ تَفويضَ الوِلايةِ إلى غيرِ مَنْ هذه صِفاتُه تَضييعٌ لِلمالِ، ولأنَّ غيرَ الرَّشيدِ الحُرِّ العاقِلِ قد يَحتاجُ إلى وَليٍّ، فلا يَكونُ وَليًّا على غَيرِه.

ولو كان الأبُ كافِرًا فله الوِلايةُ على وَلَدِه الكافِرِ لِمُساوَاتِه، وإنَّما تَثبُتُ الوِلايةُ لِكافِرٍ، بشَرطِ أنْ يَكونَ عَدلًا في دِينِه، مُمتَثِلًا لِما يَعتَقدونَه واجِبًا، مُنتَهيًا عمَّا يُحرِّمونَه، مُراعيًا لِلمُروءةِ.

ثم تَثبُتُ الوِلايةُ على صَغيرٍ ومَجنونٍ بعدَ الأبِ لِوَصيِّه العَدلِ، ولو كان بجُعلٍ، وثَمَّ مُتبرِّعٌ بالوِلايةِ؛ لأنَّه نائِبُ الأبِ، أشبَهَ وَكيلَه في الحياةِ.

ثم إنْ لَم يَكُنْ أبٌ ولا وَصيُّه، أو كان الأبُ مَوجودًا وفُقِدَ شَيءٌ مِنَ الصِّفاتِ المُعتَبَرةِ فيه ثَبَتتِ الوِلايةُ عليهما لحاكِمٍ كذلك، أي: بالصِّفاتِ المُعتَبَرةِ؛ لأنَّ الوِلايةَ انقَطَعتْ مِنْ جِهةِ الأبِ، فتَكونُ لِلحاكِمِ؛ لأنَّه وَليُّ مَنْ لا وَليَّ له.

قال ابنُ مُفلِحٍ والبُهوتيُّ والرُّحيبانيُّ : وقال الإمامُ أحمدُ -جَوابًا عن سُؤالٍ رُفِعَ إليه فيمَن عندَه مالٌ تُطالِبُه الوَرَثةُ فيَخافُ مِنْ أمْرِه، تَرَى أنْ يُخبِرَ الحاكِمَ ويَرفَعَ إليه؟ -: أمَّا حُكَّامُنا اليَومَ هؤلاء فلا أرى أنْ يَتقدَّمَ إلى أحَدٍ منهم، ولا يَدفَعَ إليه شَيئًا، وهذا في زَمانِه.

فكيف بحُكَّامِنا اليومَ، قال الرُّحيبانيُّ: ويُتَّجَهُ، وهو -أي: ما قالَه الإمامُ- الصَّحيحُ الذي لا رَيبَ فيه، وكَلامُ الأصحابِ مَحمولٌ على حاكِمٍ أهلٍ إنْ وُجِدَ وهو أندَرُ مِنَ الكِبريتِ الأحمَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>