للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المالِكيَّةُ: تُرَدُّ تَصرُّفاتُ السَّفيهِ في حالةِ الحياةِ؛ صَونًا لِمالِه على مَصالِحِه؛ لِئلَّا يَضيعَ مالُه بتَصرُّفاتٍ رَديئةٍ، وتَنفُذُ تَصرُّفاتُه في الوَصايا عندَ المَوتِ؛ صَونًا لِمالِه على مَصالِحِه؛ فإنَّا لو رَدَدْنا وَصاياه لَأخَذَ مالَه وارِثُه ولَم يَحصُلْ له مِنْ مالِه مَصلَحةٌ، فصَونُ مالِه على مَصالِحِه وَصفٌ واحِدٌ ناسَبَ الضِّدَّيْنِ المُتَنافيَيْنِ اللَّذَيْنِ هُما رَدُّ تَصرُّفاتِه حالَ الحياةِ، وتَنفيذُ تَصرُّفاتِه عندَ المَماتِ، وتَرتُّبًا عليه في الشَّريعةِ.

قال ابنُ العَربيِّ : فإنْ تَصرَّفَ السَّفيهُ المَحجورُ دونَ وَليٍّ فإنَّ التَّصرُّفَ فاسِدٌ إجماعًا، مَفسوخٌ أبَدًا، لا يُوجِبُ حُكمًا ولا يُؤثِّرُ شَيئًا.

وإنْ تَصرَّفَ سَفيهٌ لا حَجْرَ عليه اختَلَف عُلماؤُنا فيه، فابنُ القاسِمِ يُجوِّزُ فِعلَه، وعامَّةُ أصحابِنا يُسقِطونَه.

والذي أراه مِنْ ذلك أنَّه إنْ تَصرَّفَ بسَدادٍ نَفَذَ، وإنْ تَصرَّفَ بغَيرِ سَدادٍ بطَل (١).

وقال أيضًا: قال عُلماؤُنا: لمَّا لَم يَكُنْ لهم عَمَلٌ في أموالِهم وقُبِضتْ عنها أيديهم لَم يَكُنْ لهم فيها قَولٌ، ولا نَفَذَ لهم فيها عَقدٌ ولا عَهدٌ، فلا يَجوزُ فيها بَيعُهم ولا نَذرُهم؛ لأنَّ العِلَّةَ التي لِأجْلِها قُبِضتْ أيديهم عنها الصِّيانةُ لها عن تَبذيرِهم، والحِفظُ لها إلى وَقتِ مَعرِفَتِهم وتَبصُّرِهم، فلو جازَ لهم فيها بَيعٌ أو هِبةٌ أو عَهدٌ لَبَطلَتْ فائِدةُ المَنعِ لهم عنها وسَقَط مَقصودُ حِفظِها عليهم.


(١) «أحكام القرآن» (١/ ٢٣٢)، ويُنظر: «الذخيرة» (٧/ ١١٠، ١١١)، و «الفروق» (٢/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>