للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمامُ أبو حَنيفةَ : إذا بَلَغَ سَفيهًا ليس بمَحجورٍ عن التَّصرُّفاتِ أصلًا، وحالُه وحالُ الرَّشيدِ في التَّصرُّفاتِ سَواءٌ، لا يَختَلِفانِ إلا في وَجهٍ واحِدٍ، وهو أنَّ الصَّبيَّ إذا بَلَغ سَفيهًا يُمنَعُ عنه مالُه إلى خَمسٍ وعِشرينَ سَنةً، وإذا بَلَغ رَشيدًا يُدفَعُ إليه مالُه.

فأمَّا في التَّصرُّفاتِ فلا يَختَلِفانِ حتى لو تَصرَّفَ بَعدَما بَلَغ سَفيهًا ومُنِعَ عنه مالُه نَفَذ تَصرُّفُه كما يَنفُذُ بعدَ أنْ دُفِعَ المالُ إليه؛ لقَولِ اللهِ : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وها قد بَلَغ أشُدَّهُ ويَصلُحُ أنْ يَكونَ جَدًّا؛ ولأنَّه حُرٌّ بالِغٌ عاقِلٌ مُكلَّفٌ لا يُحجَرُ عليه كالرَّشيدِ، ولأنَّ مَنْعَ المالِ عنه بطَريقِ التأديبِ، ولا تَأديبَ بعدَ هذه المُدِّةِ في الأغلَبِ، ألَا تَرى أنَّه قد يَصيرُ جَدًّا في هذه السِّنِّ؟ ومُحالٌ أنْ يَكونَ جَدًّا ولَم يَبلُغْ أشُدَّه.

وقال اللهُ : ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾ [النساء: ٢]، مَعناه: أنْ يَكبَروا ويَلزَمَكم دَفعُ المالِ إليهم، وقال اللهُ : ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٢] والمُرادُ البالِغونَ، فهذا تَنصيصٌ على وُجوبِ دَفعِ المالِ إليه بعدَ البُلوغِ، إلا أنَّه قام الدَّليلُ على مَنعِ المالِ منه بعدَ البُلوغِ إذا لَم يُؤنَسْ رُشدُه، وهو ما تَلاه، فإنَّ اللهَ قال: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] وحَرفُ الفاءِ لِلوَصلِ والتَّعقيبِ، فيَكونُ بينَ أنَّ دَفْعَ المالِ إليه عُقَيبَ البُلوغِ بشَرطِ إيناسِ الرُّشدِ، وما يَقرُبُ مِنَ البُلوغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>