للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّهم اختَلَفوا هل يَستمِرُّ الحَجْرُ عليه دائِمًا إلى أنْ يَرشُدَ ولو صارَ شَيخًا كَبيرًا؟ أم إلى بُلوغِه خَمسًا وعِشرينَ سَنةً؟

فقال جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ والصاحِبانِ مِنَ الحَنفيَّةِ أبو يُوسُفَ ومُحمدٌ: يَستَمِرُّ الحَجْرُ عليه إلى أنْ يَحصُلَ منه الرُّشدُ؛ لقَولِ اللهِ : ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦] فهذه آيةٌ مُحكَمةٌ لَم يَنسَخْها شَيءٌ، فلا يَجوزُ دَفعُ المالِ إليه قبلَ إيناسِ الرُّشدِ منه.

ألَا تَرى أنَّ عندَ البُلوغِ إذا لَم يُؤنَسْ منه الرُّشدُ لا يُدفَعُ المالُ إليه بهذه الآيةِ، فكذلك إذا بَلَغَ خَمسًا وعِشرينَ؟ لأنَّ السَّفَهَ يَستَحكِمُ بمُطاوَلةِ المُدَّةِ، ولأنَّ السَّفَهَ في حُكمِ مَنعِ المالِ منه بمَنزِلةِ الجُنونِ والعَتَه، وذلك يَمنَعُ دَفْعَ المالِ إليه بعدَ خَمسٍ وعِشرينَ سَنةً، كما قَبلَها، فكذلك السَّفَهُ.

والمَعنى الجامِعُ بَينَهما أنَّ العِلَّةَ التي لِأجلِها مُنِعَ اليَتيمُ مِنْ مالِه هي خَوفُ التَّلَفِ عليه بغِرارَتِه وسَفَهِه، فما دامَتِ العِلَّةُ مُستَمرَّةً لا يَرتَفِعُ الحُكمُ، وإذا زالَتِ العِلَّةُ زالَ الحُكمُ؛ فهذا هو المَعنى في قَولِ اللهِ : ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦]].

ولأنَّ اللهَ علَّق الدَّفعَ على شَرطَيْنِ، هُما: البُلوغُ والرُّشدُ، والحُكمُ المُعلَّقُ على شَرطَيْنِ لا يَثبُتُ بدونِهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>