للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمدُ : إذا ارتَهَن دارًا ثم أكراها صاحِبَها خَرَجتْ مِنَ الرَّهنِ، فإذا رَجَعتْ إليه صارَتْ رَهنًا.

وإنْ أُزيلَتْ يَدُ المُرتَهَنِ لِغَيرِ حَقٍّ، كغَصبٍ أو سَرِقةٍ أو إباقِ العَبدِ أو ضياعِ المَتاعِ ونَحوِ ذلك لَم يَزُلِ الرَّهنُ؛ لأنَّ يَدَه ثابِتةٌ حُكمًا فكأنَّها لَم تَزُلْ.

وكلُّ مَوضِعٍ زالَ لُزومُ الرَّهنِ فيه لِزَوالِ القَبضِ اعتُبِرَ الإذْنُ في القَبضِ الثاني لأنَّه قَبضٌ يَلزَمُ به الرَّهنُ، أشبَهَ الأوَّلَ، ويَقومُ ما يَدلُّ على الإذْنِ مَقامَه، مِثلَ إرسالِه العَبدَ إلى مُرتَهَنِه، ورَدِّه لِما أخَذَه مِنَ المُرتَهَنِ إلى يَدِه، ونَحوِ ذلك؛ لأنَّ ذلك دَليلٌ على الإذْنِ، فاكتُفيَ به كدُعاءِ الناسِ إلى الطَّعامِ وتَقديمِه بينَ أيديهم يَجري مَجرى الإذْنِ في أكلِه.

وقال الشافِعيَّةُ: إنَّ استِدامةَ قَبضِ الرَّهنِ ليستْ شَرطًا في صِحَّةِ الرَّهنِ، فإنْ خَرَج الرَّهنُ مِنْ يَدِ المُرتَهَنِ باستِحقاقٍ -كالإجارةِ- أو بغَيرِ استِحقاقٍ -كالإعارةِ أو الغَصبِ- لَم يَبطُلِ الرَّهنُ؛ لقَولِ النَّبيِّ : «الرَّهنُ يُرْكبُ بِنفَقَتِهِ إذا كان مَرْهُونًا، ولَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذا كان مَرْهُونًا، وعَلَى الذي يَرْكَبُ ويَشْرَبُ النَّفَقَةُ» (١)، فجعَل رَسولُ اللهِ الرَّهنَ مَركوبًا ومَحلوبًا، ولا يَخلو أنْ يَكونَ ذلك لِلراهِنِ أو لِلمُرتَهَنِ، فلَم يَجُزْ أنْ يُجعَلَ ذلك لِلمُرتَهَنِ لأمرَيْنِ:

أحَدُهما: إجماعُهم على أنَّ المُرتَهَنَ لا يَستحِقُّ ذلك.

والآخَرُ: أنَّه جَعَل على الراكِبِ والشارِبِ نَفَقةَ الرَّهنِ، والنَّفَقةُ واجِبةٌ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه البخاري (٢٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>