للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعَمَّ أحوالَه، ولأنَّها حالاتٌ مِنْ أحوالِ الرَّهنِ فوَجَب أنْ يَكونَ القَبضُ شَرطًا فيها كالابتِداءِ؛ ولأنَّ المَعنى الذي لِأجْلِه استَحَقَّ قَبضَ الرَّهنِ في الابتِداءِ هو لأنْ تَحصُلَ وَثيقةٌ لِلمُرتَهَنِ بقَبضِه إيَّاه، وهذا المَعنى يَحتاجُ إليه في كلِّ حالٍ كان فيها رَهنًا فكانَ القَبضُ شَرطًا فيها.

إلا أنَّهم اختَلَفوا فيما لو قَبَض المُرتَهَنُ الرَّهنَ ثم رَدَّه باختيارِه إلى الراهِنِ، أو عادَ إليه بإعارةٍ أو إيداعٍ أو إجارةٍ أو استِخدامٍ أو رُكوبٍ، هل يَبطُلُ العَقدُ أو لا؟

فقال المالِكيَّةُ: يَبطُلُ العَقدُ؛ لأنَّه إذا خَرَج عن يَدِ القابِضِ لَم يَصدُقْ لَفظُ الرَّهنِ عليه لُغةً -وهو بمَعنى الثُّبوتِ والدَّوامِ- ولَم يَصدُقْ عليه حُكمًا.

وقال أبو حَنيفةَ (١) : استِدامةُ قَبضِ الرَّهنِ شَرطٌ في صِحَّةِ الرَّهنِ، فإنْ خَرَج مِنْ يَدِ المُرتَهَنِ باستِحقاقٍ -كالإجارةِ- بطَل الرَّهنُ، وإنْ خَرَج مِنْ يَدِه بغَيرِ استِحقاقٍ -كالغَصبِ والإعارةِ- لَم يَبطُلِ الرَّهنُ؛ لأنَّه لا يَقدِرُ على انتِزاعِه إذا خَرَج باستِحقاقٍ أو بقُدرةٍ على انتِزاعِه إذا خَرَج بغَيرِ استِحقاقٍ.

وقال الحَنابِلةُ: استِدامةُ القَبضِ شَرطٌ لِلُزومِ الرَّهنِ فإذا أخرَجَه المُرتَهَنُ عن يَدِه باختيارِه زالَ لُزومُ الرَّهنِ، وبَقيَ العَقدُ كأنَّه لَم يُوجَدْ فيه قَبضٌ، سَواءٌ أخرَجَه بإجارةٍ أو إعارةٍ أو إيداعٍ أو غيرِ ذلك، فإذا عاد فرَدَّه إليه عادَ اللُّزومُ بحُكمِ العَقدِ السابِقِ.


(١) حَكى هذا القولَ عن أبي حَنيفةَ الماورديُّ في «الحاوي الكبير» (٦/ ١٣)، والقرطبي في «تفسيره» (٣/ ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>