الرَّهنُ مِنْ أحَدِ أمرَيْنِ: إمَّا أنْ يَكونَ مأخوذًا مِنْ دَينٍ، وإمَّا أنْ يَكونَ مَشروطًا في بَيعِ، فإنْ كان الرَّهنُ مأخوذًا في بَيعٍ كانت هذه الشُّروطُ كلُّها باطِلةً؛ لأنَّها تَمليكُ أعيانٍ ومَنافِعَ بعَقدٍ لا يُوجِبُها مِنْ غيرِ عِوَضٍ يُقابِلُها، وإذا بَطَلتِ الشُّروطُ ففي بُطلانِ الرَّهنِ قَولانِ؛ لأنَّها شُروطٌ زائِدةٌ، وإنْ كان الرَّهنُ مَشروطًا في بَيعٍ لَم تَخْلُ هذه الشُّروطُ مِنْ أحَدِ أمرَيْنِ: إمَّا أنْ تَكونَ مَشروطةً في الرَّهنِ وإما أنْ تَكونَ مَشروطةً في البَيعِ، فإنْ كانتْ مَشروطةً في الرَّهنِ كانتِ الشُّروطُ باطِلةً، وفي بُطلانِ الرَّهنِ قَولانِ: أحَدُهما: باطِلٌ، فعلى هذا في بُطلانِ البَيعِ قَولانِ، والآخَرُ: جائِزٌ، فعلى هذا البَيعُ أشَدُّ جَوازًا، والبائِعُ في البَيعِ مُخيَّرٌ بينَ إمضائِه وفَسخِه، وإنْ كانت هذه الشُّروطُ مَشروطةً في البَيعِ لَم يَخْلُ حالُ الشَّرطِ مِنْ أحَدِ أمرَيْنِ: إمَّا أنْ تَكونَ أعيانًا، وإمَّا أنْ تَكونَ مَنافِعَ، فإنْ كانت أعيانًا -كالثِّمارِ والنِّتاجِ- كان الشَّرطُ باطِلًا والبَيعُ باطِلًا؛ لأنَّها تَصيرُ مِنْ جُملةِ الثَّمَنِ، وهي أعيانٌ مَجهولةٌ لَم تُخلَقْ، فلَم يَصحَّ أنْ تَكونَ مِنْ جُملةِ الثَّمَنِ، فبَطَلتْ وبطَل البَيعُ ببُطلانِها ولا رَهنَ، فإنْ كانتْ مَنافِعَ -كسُكنى الدارِ ورُكوبِ الدابَّةِ- كان كاشتِراطِه في عَقدِ البَيعِ الذي قد ارتَهَن فيه دارًا على أنْ يَسكُنَها سَنةً، أو ارتَهَن فيه دابَّةً على أنْ يَركَبَها سَنةً، فهذا عَقدٌ قد جَمَع بَيعًا وإجارةً بعِوَضٍ واحِدٍ لا يُعرَفُ منه حِصَّةُ البَيعِ مِنْ حِصَّةِ الإجارةِ، ولِلشافِعِّي في ذلك قَولانِ: أحَدُهما: أنَّ البَيعَ والإجارةَ جائِزانِ، فعلى هذا يَكونُ الشَّرطُ لَازِمًا والبَيعُ صَحيحًا والرَّهنُ جائِزًا، والقَولُ الآخَرُ: أنَّ البَيعَ والإجارةَ باطِلانِ؛ لأنَّ البَيعَ والإجارةَ مُختَلِفا الحُكمِ، فلَم يَصحَّ أنْ يَجتَمِعا في المَنفَعةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute