ومَن لم يَجعَلِ اللَّمسَ ناقِضًا بحالٍ؛ فإنَّه يَجعلُ اللَّمسَ إنَّما أُريدَ به الجِماعُ، كما في قَولِه تَعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، ونَظائِرُه كَثيرةٌ، وفي السُّننِ أنَّ النَّبيَّ ﷺ:«قبَّلَ بعضَ نِسائِه ثم صلَّى ولم يَتوضَّأْ» لكنْ تُكلِّمَ فيه.
وأيضًا: فمِن المَعلومِ أنَّ مَسَّ الناسِ نِساءَهم مما تَعُمُّ به البَلوى، ولا يَزالُ الرَّجلُ يَمسُّ امرأتَه؛ فلو كانَ هذا مما يَنقضُ الوُضوءَ لكانَ النَّبيُّ ﷺ بيَّنَه لأُمَّتِه؛ ولكانَ مَشهورًا بينَ الصَّحابةِ، ولم يَنقُلْ أحَدٌ أنَّ أحدًا من الصَّحابةِ كانَ يَتوضَّأُ بمُجردِ مُلاقاةِ يَدِه لامرأتِه أو غيرِها، ولا نقَلَ أحدٌ في ذلك حَديثًا عن النَّبيِّ ﷺ فعُلمَ أنَّ ذلك قَولٌ باطِلٌ، واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: الذي ذهَبَ إليه مالِكٌ وأَصحابُه في اشتِراطِ اللَّذةِ ووُجودِ الشَّهوةِ عندَ المُلامَسةِ أصَحُّ إنْ شاءَ اللهُ ﷾؛ لأنَّ الصَّحابةَ لم يأتِ عنهم في مَعنى المُلامَسةِ إلا قَولانِ:
أحدُهما: الجِماعُ نَفسُه.
والآخَرُ: ما دونَ الجِماعِ من دَواعي الجِماعِ وما يُشبهُه.
ومَعلومٌ في قَولِ القائِلينَ أنَّه ما دونَ الجِماعِ أنَّهم أرادوا ما ليسَ بجِماعٍ ولم يُريدوا اللَّطمةَ ولا قُبلةَ الرَّجلِ ابنَتَه رَحمةً، ولا اللَّمسَ لغيرِ لَذةٍ.