للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسَّها مَسيسًا خاليًا من غيرِ شَهوةٍ لم يَجبْ به عِدَّةٌ، ولا يَستقرُّ به مَهرٌ، ولا تَنتشِرُ به حُرمةُ المُصاهَرةِ باتِّفاقِ العُلماءِ، بخِلافِ ما لو مَسَّ المَرأةَ لشَهوةٍ ولم يَخلُ بها ولم يَطَأْها: ففي استِقرارِ المَهرِ بذلك نِزاعٌ مَعروفٌ بينَ العُلماءِ في مَذهبِ أحمدَ وغيرِه.

فمَن زعَمَ أنَّ قَولَه: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣] يَتناوَلُ اللَّمسَ وإنْ لم يَكنْ لشَهوةٍ فقد خرَجَ عن اللُّغةِ التي جاءَ بها القُرآنُ، بل وعن لُغةِ الناسِ في عُرفِهم؛ فإنَّه إذا ذُكرَ المَسُّ الذي يُقرنُ فيه بينَ الرَّجلِ والمَرأةِ عُلمَ أنَّه مَسُّ الشَّهوةِ، كما أنَّه إذا ذُكرَ الوَطءُ المَقرونُ بينَ الرَّجلِ والمَرأةِ عُلمَ أنَّه الوَطءُ بالفَرجِ لا بالقَدمِ.

وأيضًا: فإنَّه لا يَقولُ: إنَّ الحُكمَ مُعلَّقٌ بمَسِّ النِّساءِ مُطلقًا، بل بصِنفٍ من النِّساءِ، وهو ما كانَ مَظِنةَ الشَّهوةِ، فأمَّا مَسُّ مَنْ لا يَكونُ مَظِنةً كذَواتِ المَحارمِ والصَّغيرةِ فلا يُنقضُ بها، فقد ترَكَ ما ادَّعاه من الظاهِرِ واشتَرَط شَرطًا لا أصلَ له بنَصٍّ ولا قياسٍ؛ فإنَّ الأُصولَ المَنصوصةَ تُفرِّقُ بينَ اللَّمسِ لشَهوةٍ واللَّمسِ لغيرِ شَهوةٍ لا تُفرقُ بينَ أنْ يَكونَ المَلموسُ مَظِنةَ الشَّهوةِ أو لا يَكونُ، وهذا هو المَسُّ المُؤثِّرُ في العِباداتِ كلِّها، كالإِحرامِ والاعتِكافِ والصِّيامِ وغيرِ ذلك، وإذا كانَ هذا القَولُ لا يَدلُّ عليه ظاهِرُ اللَّفظِ، ولا يَدلُّ عليه القياسُ، لم يَكنْ له أصلٌ في الشَّرعِ.

وأمَّا مَنْ علَّقَ النَّقضَ بالشَّهوةِ فالظاهِرُ المَعروفُ في مِثلِ ذلك دَليلٌ له، وقياسُ أُصولِ الشَّريعةِ دَليلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>