للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسَّلَمُ مَبناه على الغَبنِ ووَكْسِ الثَّمنِ؛ لأنَّه بَيعُ المَفاليسِ فلَم يَكُنْ في مَعنى مَورِدِ النَّصِّ، فوُرودُ النَّصِّ هناك لا يَكونُ وُرودًا ههنا دِلالةً، فبَقيَ الحُكمُ فيه لِلقياسِ، ولأنَّ قَبضَ رأسِ المالِ مِنْ شَرائطِ الصِّحَّةِ على ما نَذكُرُه، ولا صِحَّةَ لِلقَبضِ إلا في المِلكِ، وخيارُ الشَّرطِ يَمنَعُ ثُبوتَ المِلكِ فيَمنَعُ المُستحَقُّ صِحَّةَ القَبضِ، بخِلافِ المُستحَقِّ فإنَّه لا يَبطُلُ السَّلَمُ حتى لو استُحِقَّ رأسُ المالِ وقد افتَرَقا عن القَبضِ وأجازَ المُستحِقُّ فالسَّلَمُ صَحيحٌ؛ لأنَّه لمَّا أجازَ تَبيَّنَ أنَّ العَقدَ وَقَع صَحيحًا مِنْ حينِ وُجودِه، وكذا القَبضُ، إذًا الإجازةُ اللاحِقةُ بمَنزِلةِ الوَكالةِ السابِقةِ وبخِلافِ خيارِ الرُّؤيةِ وخيارِ العَيبِ؛ لِأنَّهما لا يَمنَعانِ ثُبوتَ المِلكِ، فلا يَمنَعانِ صِحَّةَ القَبضِ.

ولو أبطَلَ صاحِبُ الخيارِ خيارَه قبلَ الافتِراقِ ببَدَنَيْهما ورأسُ المالِ قائمٌ في يَدِ المُسلَمِ إليه يَنقلِبُ العَقدُ جائزًا عندَنا خِلافًا لِزُفَرَ.

وإنْ كان هالِكًا أو مُستهلَكًا لا يَنقلِبُ إلى الجَواز بالإجماعِ؛ لأنَّ رأسَ المالِ يَصيرُ دَينًا على المُسلَمِ إليه، والسَّلَمَ لا يَنعقِدُ برأسِ مالِ دَينٍ فلا يَنعقِدُ عليه أيضًا (١).

وقال الإمامُ الشافِعيُّ : ولا يَجوزُ الخيارُ في السَّلَفِ لو قال رَجُلٌ لِرَجُلٍ: «أبتاعُ منكَ بمِئةِ دينارٍ أنقُدُكَها مِئةَ صاعٍ تَمرًا إلى شَهرٍ على أني بالخيارِ بعدَ تَفرُّقِنا مِنْ مَقامِنا الذي تَبايَعنا فيه أو أنتَ بالخيارِ أو كِلانا


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢٠١)، ويُنظر: «الجوهرة النيرة» (٣/ ١٤٩)، و «اللباب» (١/ ٤١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>