للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأبي حَنيفةَ أنَّ العَقدَ وُجِدَ مُطلَقًا عن تَعيينِ مَكانٍ فلا يَتعيَّنُ مَكانُ العَقدِ لِلإيفاءِ، والدَّليلُ على إطلاقِ العَقدِ عن تَعيينِ مَكانِ الحَقيقةِ والحُكمِ ما يَلي:

أمَّا الحَقيقةُ فلِأنَّه لَم يُوجَدْ ذِكرُ المَكانِ في العَقدِ نَصًّا؛ فالقَولُ بتَعيينِ مَكانِ العَقدِ شَرعًا مِنْ غيرِ تَعيينِ العاقدَيْنِ تَقييدَ المُطلَقِ، فلا يَجوزُ إلا بدَليلٍ.

وأمَّا الحُكمُ فإنَّ العاقدَيْنِ لو عَيَّنا مَكانًا آخَرَ جاز، ولو كان تَعيينُ مَكانِ العَقدِ مِنْ مُقتَضياتِ العَقدِ شَرعًا لَكانَ تَعيينُ مَكانٍ آخَرَ تَغييرًا لِمُقتَضى العَقدِ، وأنَّه يُعتبَرُ فيه حُكمُ الشَّرعِ فيَنبَغي ألَّا يَجوزَ، وإذا لَم يَتعيَّنْ مَكانُ العَقدِ لِلإيفاءِ بَقيَ مَكانُ الإيفاءِ مَجهولًا جَهالةً مُفضيةً إلى المُنازَعةِ؛ لأنَّ في الأشياءِ التي لها حَملٌ ومُؤنةٌ تَختلِفُ باختِلافِ الأمكِنةِ، لِما يَلزَمُ في حَملِها مِنْ مَكانٍ إلى مَكانٍ آخَرَ مِنَ المُؤنةِ، فيَتنازَعانِ.

وأمَّا قَولُهما: سَبَبُ وُجوبِ التَّسليمِ هو العَقدُ في هذا المَكانِ، فقُلنا: ليس كذلك؛ فإنَّ العَقدَ قائِمٌ بالعاقدَيْنِ، لا بالمَكانِ، فلَم يُوجَدِ العَقدُ في هذا المَكانِ، وإنما هذا مَكانُ المتعاقدَيْنِ على أنَّ العَقدَ ليس بسَبَبٍ لِوُجوبِ التَّسليمِ لِلحالِ، وإنَّما يَصيرُ سَبَبًا عندَ حُلولِ الأجَلِ مَقصورًا عليه، وعندَ ذلك مَكانُ العاقدَيْنِ ليس بمُتَّحِدٍ، بل مُختلِفٌ، فيَتنازَعانِ.

وأمَّا المُسلَمُ فيه إذا لَم يَكُنْ له حَملٌ ومُؤنةٌ فعن أبي حَنيفةَ فيه رِوايتانِ في رِوايةٍ لا يَتعيَّنُ مَكانُ العَقدِ هناك أيضًا، وهو رِوايةُ كِتابِ الإجاراتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>