أنَّهم كانوا يُسلِفونَ في زَمَنِ النَّبيِّ ﷺ في الثَّمَرِ السَّنةَ والسَّنتَيْنِ، ومَعلومٌ أنَّه إذا أسلَفَ في الثَّمَرِ سَنةً فإنَّه يَتخلَّلُ الأجَلَ زَمانٌ يَنقطِعُ فيه الثَّمَرُ، وهو زَمانُ الشِّتاءِ، ثم إنَّ النَّبيَّ ﷺ أقَرَّهم على ذلك، ولم يُنكِرْ عليهم السَّلَفَ في سَنةٍ وأكثَرَ؛ فثَبَت ما قُلناه.
وأمَّا نَهيُه ﷺ عن بَيعِ الثِّمارِ حتى يَبدُوَ صَلاحُها، فهو مَحمولٌ عِندَنا على أنَّ بَيعَ الثَّمَرةِ عَينًا لا يَجوزُ إلَّا بعدَ بُدُوِّ صَلاحِها، وفي السَّلَمِ ليس عندَ العَقدِ ثَمَرةٌ مَوجودةٌ عندَ البائِعِ تَستحِقُّ اسمَ البَيعِ حَقيقةً، وحَديثُ النَّهيِ عن بَيعِ الثِّمارِ حتى يَبدُوَ صَلاحُها مُرتَّبٌ على السَّلَمِ، تَقديرُه: أنَّه نَهى عن بَيعِ الثِّمارِ حتى يَبدُوَ صَلاحُها إلا أنْ يَكونَ سَلَمًا، بدَليلِ حَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهم كانوا يُسلِفونَ في الثَّمَرِ السَّنتَيْنِ والثَّلاثَ، وذلك بَيعٌ له قبلَ أنْ يَبدُوَ صَلاحُه، وقبلَ أنْ يُخلَقَ، وإذا جازَ السَّلَمُ في الثَّمَرِ فقد جازَ في الرُّطَبِ، والرُّطَبُ لا يُوجَدُ في سائِرِ السَّنةِ كما يُوجَدُ التَّمرُ؛ فلا مَعنى لقَولِهم (١).
وقال الحَنفيَّةُ: لا يَجوزُ السَّلَمُ حتى يَكونَ المُسلَمُ فيه مَوجودًا مِنْ حينِ العَقدِ إلى وَقتِ التَّسليمِ حتى لو كان مَوجودًا حالَ العَقدِ مَعدومًا وَقتَ التَّسليمِ، أو كان مَعدومًا حالَ العَقدِ مَوجودًا وَقتَ التَّسليمِ، أو مَعدومًا بينَهما بأنِ انقَطَع مِنْ أيدي الناسِ فيما بينَ ذلك، كالثِّمارِ، والفَواكِه، واللَّبَنِ، وأشباهِ ذلك، فلا يَجوزُ السَّلَمُ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ نَهى عن بَيعِ الثِّمارِ حتى يَبدُوَ صَلاحُها، ولم يَرِد به النَّهيُ عن بَيعِها سَلَمًا؛ والمَعنى فيه أنَّ قُدرةَ