للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برَبِّ السَّلَمِ، ولأنَّه عَقدٌ لَم يُشرَعْ إلَّا رُخصةً؛ لِكَونِه بَيعَ ما ليس عندَ الإنسانِ؛ لِما رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ نَهى عن بَيعِ ما ليس عِنْدَ الإنسانِ، ورَخَّصَ في السَّلَمِ، فهذا الحَديثُ يَدلُّ على أنَّ بَيعَ ما ليس عِنْدَ الإنسانِ لَم يُشرَعْ إلَّا رُخصةً، وأنَّ السَّلَمَ بَيعُ ما ليس عندَ الإنسانِ أيضًا، على ما ذَكَرنا مِنْ قَبلُ.

والرُّخصةُ في عُرفِ الشَّرعِ: اسمٌ لِما يُغيَّرُ عن الأمرِ الأصليِّ بعارِضِ عُذرٍ إلى تَخفيفٍ ويُسرٍ، كرُخصةِ تَناوُلِ المَيْتةِ، وشُربِ الخَمرِ بالإكراهِ، والمَخمَصةِ، ونَحوِ ذلك؛ فالتَّرخُّصُ في السَّلَمِ هو تَغييرُ الحُكمِ الأصليِّ، وهو حُرمةُ بَيعِ ما ليس عندَ الإنسانِ إلى الحُلولِ بعارِضِ عُذرٍ؛ لِعَدَمِ ضَرورةِ الإفلاسِ، فحالةُ الوُجودِ والقُدرةِ لا يَلحَقُها اسمُ قُدرةِ الرُّخصةِ، فيَبقى الحُكمُ فيها على العَزيمةِ الأصليَّةِ؛ فكانتْ حُرمةُ السَّلَمِ الحالِّ على هذا التَّقريرِ مُستفادةً مِنَ النَّصِّ، كأنْ يَنبَغي ألَّا يَجوزَ السَّلَمُ مِنَ القادِرِ على تَسليمِ المُسلَمِ فيه لِلحالِ، إلَّا أنه صارَ مَخصوصًا عن النَّهيِ العامِّ؛ فأُلحِقَ بالعاجِزِ عن التَّسليمِ لِلحالِ على اعتِبارِ الأصلِ، وإلحاقُ النادِرِ بالعَدَمِ في أحكامِ الشَّرعِ (١).

وقالَ ابنُ القَطَّانِ الفاسيُّ : وأجمَعَ الفُقهاءُ على إبطالِ السَّلَمِ إذا وَقَع بلا تأجيلٍ لِقَبضِ المُسلَمِ، إلَّا الشافعيَّ؛ فإنَّه أجازَه (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢١٢).
(٢) «الإقناع» (٤/ ١٨٢١) رقم (٣٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>