للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَولُ الثاني: بَيعٌ (١) مُطلَقًا، فيُشترَطُ فيها ما يُشترَطُ فيه، ويَمنَعُها ما يَمنَعُه، وهو قَولُ المالِكيَّةِ في المَشهورِ فيما عَدا الطَّعامَ قبلَ القَبضِ والشُّفعةَ والمُرابَحةَ (٢) وهو رِوايةٌ عن أبي يُوسفَ مِنْ الحَنفيَّةِ وقولٌ عندَ الشافِعيَّةِ ورِوايةٌ عندَ الحَنابِلةِ؛ لأنَّ المَبيعَ يَعودُ بالإقالةِ إلى البائِعِ على الجِهةِ التي خرَج عليها منه؛ فلمَّا كانَ الأوَّلُ بَيعًا كان كذلك الآخَرُ.

ولأنَّ حَقيقةَ البَيعِ مُبادَلةُ المالِ بالمالِ بالتَّراضي، وهذا مَوجودٌ في الإقالةِ، فتَكونُ بَيعًا.

ولأنَّ الفُسوخَ في العُقودِ ما كانَ عن غَلَبةٍ دونَ ما وقَع عن اختيارٍ وتَراضٍ، دَليلُه: سائِرُ العُقودِ، والإقالةُ لا تَتِمُّ إلَّا بالتَّراضي، فلا تَكونُ فَسخًا.

القَولُ الثالِثُ: التَّفصيلُ، وهو قَولُ الحَنفيَّةِ، واختَلَفوا فيه على ثَلاثةِ أقوالٍ:


(١) يُريدُ الفُقهاءُ بِقولِهم إنَّها بَيعُ مَا هو أعمُّ مِنْ البَيعِ وهو العَقدُ؛ لأنَّها تَدخُل في كَثيرٍ مِنْ عُقودِ المُعاملاتِ اللَّازمَةِ، ولكنْ نظرًا لأنَّ أغلبَ مَسائِلها في البَيع ذَكروا أنَّها بَيعٌ.
(٢) فالمالكِيَّةُ استَثنَوا الطَّعامَ قبلَ القَبضِ والشُّفعةَ والمُرابحَةَ يَعنِي أنَّ الإقالَةَ بَيعٌ، يُشترَط فيها مَا يُشترَط فيه، ويَمنعُها ما يَمنعُه إلا في مَسائل: الأولى: في الطَّعامِ قبلَ قَبضِه فليسَ لها حُكمُ البَيعِ بل هي فيه حِلُّ بَيعٍ؛ فَلِذا جازَ لمَن اشتَرى طَعامًا من آخرَ أن يَقبلَ منه بائعُه قبلَ قَبضِه. الثَّانِيةُ: في الشُّفعةِ فليسَت فيها بَيعًا ولا حِلَّ بَيعٍ بل هي باطِلةٌ؛ فمَن باعَ شقصًا ثم أقالَ مُشتَريه منه لا يَعتدُّ بها والشُّفعةُ ثابتَةٌ، وعُهدةُ الشَّفيعِ على المُشتَري. الثَّالثةُ: في المُرابَحةِ فالإقالَةُ فيها حِلُّ بَيعٍ؛ فمَن اشتَرى سِلعةً بعشْرةٍ وباعَها بخَمسةَ عَشَرَ ثم أقالَ منها لَم يَبعْها ثانيًا إلا على عشْرةٍ. وإن باعَ على الخَمسةَ عَشَرَ بيَّن، وإنَّما وجَب التَّبيينُ لأنَّ المُبتاعَ قد يَكرَهُ ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>