للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا النَّاسُ تَوارَثوا هذه البِياعاتِ في سائِرِ الأعصارِ مِنْ غيرِ نَكيرٍ، وذلك إجماعٌ على جَوازِها (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : بَيعُ المُرابَحةِ هو البَيعُ برَأْسِ المالِ، ورِبحٍ مَعلومٍ، ويُشترَطُ عِلمُهما برَأْسِ المالِ، فيَقولُ: رَأْسُ مالي فيه -أو هو علَيَّ- بمِئةٍ، بِعتُكَ بها وبرِبحِ عَشَرةٍ، فهذا جائِزٌ لا خِلافَ في صِحَّتِه، ولا نَعلَمُ فيه عندَ أحَدٍ كَراهةً، وإنْ قالَ: بِعتُكَ رَأْسَ مالي فيه، وهو مِئةٌ، وأربَحُ في كلِّ عَشَرةٍ دِرهَمًا … فقد كَرِهَه أحمدُ، وقد رُوِيتْ كَراهَتُه عن ابنِ عمرَ وابنِ عَبَّاسٍ ومَسروقٍ والحَسَنِ وعِكرِمةَ وسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ وعَطاءِ بنِ يَسارٍ ، وقالَ إسحاقُ: لا يَجوزُ؛ لأنَّ الثَّمنَ مَجهولٌ حالَ العَقدِ، فلَم يَجُزْ، كما لو باعَه بما يَخرُجُ به في الحِسابِ، ورَخَّصَ فيه سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ وابنُ سِيرينَ وشُرَيحٌ والنَّخَعيُّ والثَّوريُّ والشافِعيُّ وأصحابُ الرَّأيِ وابنُ المُنذِرِ، ولأنَّ رَأْسَ المالِ مَعلومٌ، والرِّبحَ مَعلومٌ، فأشبَهَ ما لو قالَ: وبرِبحِ عَشَرةِ دَراهِمَ.

ووَجْهُ الكَراهةِ أنَّ ابنَ عمرَ وابنَ عَبَّاسٍ كَرِهاه، ولَم نَعلَم لَهما في الصَّحابةِ مُخالِفًا، ولأنَّ فيه نَوعًا مِنْ الجَهالةِ والتَّحرُّزِ عنها أوْلَى، وهذه كَراهةُ تَنزيهٍ، والبَيعُ صَحيحٌ؛ لِمَا ذَكَرْنا، والجَهالةُ يُمكِنُ إزالَتُها بالحِسابِ، فلَم تَضُرَّ، كما لو باعَه صُبرةً كلُّ قَفيزٍ بدِرهَمٍ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢٢٠).
(٢) «المغني» (٤/ ١٢٩، ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>