للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الثَّمنَ في بَيعِ المُرابَحةِ مَعلومٌ، ولِاستِجماعِ البَيعِ شَرائِطَ الجَوازِ، ولأنَّ الحاجةَ ماسَّةٌ إلى هذا النَّوعِ مِنْ البَيعِ؛ لأنَّ الغَبيَّ الذي لا يَهتَدي إلى التِّجارةِ يَحتاجُ إلى أنْ يَعتمِدَ فِعلَ الذَّكيِّ المُهتَدي، ويُطيِّبَ نَفْسَه بمِثلِ ما اشتَرَى وزيادةِ رِبحٍ، فوجَب القَولُ بجَوازِها، ولِذا كانَ مَبناها على الأمانةِ والِاحتِرازِ عن شُبهةِ الخيانةِ، لأنَّ المُشتَريَ يَأتمِنُ البائِعَ في خَبَرِه، مُعتمِدًا على قَولِه؛ فيَجِبُ على البائِعِ التَّنزُّهُ عن الخيانةِ والتَّجنُّبُ عن الكَذِبِ لِئَلَّا يقعُ المُشتَري في بَخسٍ وغُرورٍ.

وقالَ جُمهورُ العُلماءِ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ: المُرابَحةُ جائِزةٌ مِنْ غيرِ كَراهةٍ، وقالَ المالِكيَّةُ: هي جائِزةٌ، لكنَّها خِلافُ الأَوْلَى؛ لِكَثرةِ ما يَحتاجُ إليه البائِعُ مِنْ البَيانِ بحالِ المَبيعِ، وبَيانِ ما دُفِعَ مِنْ الثَّمنِ، وبَيانِ ما سُومِحَ فيه إذا كانَ قد سُومِحَ، والأوْلَى البَيعُ بطَريقِ المُساوَمةِ، وهو ما تَقدَّمَ مِنْ البَيعاتِ، وهو بَيعُ السِّلعةِ بالسِّعرِ الذي يَتَّفقُ عليه الطَّرَفانِ دونَ إعلامِ البائِعِ المُشتَري برَأسِ مالِها.

قالَ ابنُ رُشدٍ الجَدُّ : البَيعُ على المُكايَسةِ والمُماكَسةِ أحَبُّ إلى أهلِ العِلمِ، وأحسَنُ عندَهم (١).

وهو قَولٌ لِلإمامِ أحمدَ أنَّ المُساوَمةَ أسهَلُ مِنْ بَيعِ المُرابَحةِ، وذلك لِضيقِ المُرابَحةِ على البائِعِ؛ لأنَّه يَحتاجُ إلى أنْ يَعلَمَ المُشتَري بكُلِّ شَيءٍ مِنْ


(١) يُنظر: «شرح مختصر خليل» (٥/ ١٧٢)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٦٥٥، ٦٦٥)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٣٩٤، ٣٥٤)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٥١٢، ٥٢٥)، و «حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير» (٤/ ٢٥٧، ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>