للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ : قالَ سَحنونٌ: اختلَف أصحابُنا في رُجوعِ العِدَةِ، وهو الذي عليه أكثَرُهم، وهو الذي يَلزَمُه مِنْ العِدَةِ في السَّلَفِ والعاريةِ أنْ يَقولَ لِلرَّجُلِ: اهدِمْ دارَكَ وأنا أُسَلِّفُكَ ما تَبنيها به، أوك اخرُجْ إلى الحَجِّ وأنا أُسَلِّفُكَ ما يُبَلِّغُكَ، أو اشتَرِ سِلعةَ كذا، أو: تَزوَّجْ وأنا أُسَلِّفُكَ ثَمَنَ السِّلعةِ وصَداقَ المَرأةِ وما أشبَهَ ذلك ممَّا يُدخِلُه فيه ويُنشِبُه به، فهذا كُلُّه يُلزِمُه.

قالَ: وإمَّا أنْ يَقولَ: أنا أُسَلِّفُكَ، وأنا أُعطيكَ بغيرِ شَيءٍ يُلزِمُ المَأمورُ نَفْسَه، فإنَّ هذا لا يَلزَمُه منه شَيءٌ.

قالَ أصبَغُ: العِدَةُ إذا لَم تَكُنْ في نَفْسِ البَيعِ، وكانَتْ بَعدُ، فهي مُوضَعةٌ عَينَ المُشتَري وتَلزَمُ البائِعَ.

وقالَ أبو حَنيفةَ وأصحابُه والأوزاعيُّ والشافِعيُّ وعُبَيدُ اللَّهِ بنُ الحَسَنِ وسائِرُ الفُقهاءِ: أمَّا العِدَةُ فلا يَلزَمُه مِنها شَيءٌ؛ لأنَّها مَنافِعُ لَم يَقبِضْها في العاريةِ؛ لأنَّها طارِئةٌ، وهي بغيرِ العاريةِ هي أشخاصٌ وأعيانٌ مَوهوبةٌ لَم تُقبَضْ، فلِصاحِبِها الرُّجوعُ فيها (١).

وهذا الخِلافُ السابِقُ فيما لو لَم يَمُتِ الواعِدُ، ولكنَّ الذي لا خِلافَ فيه بينَ الفُقهاءِ هو أنَّ الواعِدَ إذا ماتَ قبلَ إنجازِ وَعدِه فإنَّ الوَعدَ يَسقُطُ، سَواءٌ أكانَ مُطلَقًا، أم مُعلِّقًا على سَبَبٍ، ودخَل المَوعودُ في السَّببِ، أمَّا عندَ


(١) «الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار» (٥/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>