وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ ﵀: قَولُه: بابُ مَنْ أُمِرَ بإنجازِ الوَعدِ: وَجْهُ تَعلُّقِ هذا البابِ بأبوابِ الشَّهاداتِ أنَّ وَعدَ المَرءِ كالشَّهادةِ على نَفْسِه، قالَه الكَرمانيُّ، وقالَ المُهلَّبُ: إنجازُ الوَعدِ مَأمورٌ به، مَندوبٌ إليه عندَ الجَميعِ، وليسَ بفَرضٍ؛ لِاتِّفاقِهم على أنَّ المَوعودَ لا يُضارَبُ بما وُعِدَ به مع الغُرَماءِ. اه. ونَقلُ الإجماعِ في ذلك مَردودٌ، فإنَّ الخِلافَ مَشهورٌ، لكنَّ القائِلَ به قَليلٌ، وقالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ وابنُ العَرَبيِّ: أجَلُّ مَنْ قالَ به عمرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ، وعَن بَعضِ المالِكيَّةِ إنِ ارتَبَطَ الوَعدُ بسَبَبٍ وجَب الوَفاءُ به، وإلَّا فلا، فمَن قالَ لِآخَرَ: تَزوَّجْ ولَكَ كذا، فتَزوَّجَ لِذلك وجَب الوَفاءُ به، وخرَج بَعضُهم الخِلافَ على أنَّ الهِبةَ هل تُملَكُ بالقَبضِ أو قبلَه، وقَرَأتُ بخَطِّ أبي ﵀ في إشكالاتٍ على الأذكارِ لِلنَّوَويِّ، ولَم يَذكُرْ جَوابًا عن الآيةِ، يَعني قَولَه تَعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣]، وعن حَديثِ: (آيةُ المُنافِقِ)، قالَ: والدِّلالةُ لِلوُجوبِ مِنها قَويَّةٌ، فكَيفَ حَمَلوه على كَراهةِ التَّنزيهِ مع الوَعيدِ الشَّديدِ، ويُنظَرُ: هل يُمكِنُ أنْ يُقالَ: يَحرُمُ الإخلافُ ولا يَجِبُ الوَفاءُ، أي: يَأثَمُ بالإخلافِ، وإنْ كانَ لا يَلزَمُ بوَفاءِ ذلك قَولُه وفِعلُه الحَسَنُ، يَعني الأمرَ بإنجازِ الوَعدِ (١).
أمَّا المالِكيَّةُ فعندَهم أربَعةُ أقوالٍ في حُكمِ الوَعدِ:
القَولُ الأوَّلُ مِثلُ قَولِ جُمهورِ الفُقهاءِ: أنَّ الوَعدَ لا يَلزَمُ وإنْ كانَ على سَبَبٍ دخَل فيه.
(١) «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (٥/ ٢٩٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute