للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَب المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ والشافِعيَّةُ في قَولٍ إلى أنَّه لا يَصحُّ اشتِراطُ البَراءةِ مِنْ العُيوبِ؛ فمَن باعَ سِلعةً على أنَّها ليسَ بها عَيبٌ، وإنْ ظهَر بها عَيبٌ لَم تُرَدَّ عليه، لَم يُعمَلْ بهذا الشَّرطِ، ولِلمُشتَري الرَّدُّ بما وجَده فيها مِنْ العَيبِ القَديمِ، ولا تَنفَعُه البَراءةُ مِنه إلَّا في الرَّقيقِ، عندَ المالِكيَّةِ، وعَلَّلَ الشافِعيَّةُ المَنعَ بأنَّ النَّبيَّ نهَى عن الغَرَرِ، والإبراءَ عن المَجهولِ غَرَرٌ؛ لأنَّه لا يَقِفُ له على قَدْرٍ، ولأنَّ الإبراءَ كالهِبةِ، غيرَ أنَّ الإبراءَ يَختَصُّ بما في الذِّمَّةِ، والهِبةَ بالأعيانِ القائِمةِ، فلمَّا لَم تَصحَّ هِبةُ المَجهولِ لَم يَصحَّ الإبراءُ عن المَجهولِ، ولأنَّ كُلَّ جَهالةٍ يُمكِنُ الِاحتِرازُ مِنها لَم يُعفَ عنها كالجَهالةِ بتَوابِعِ المَبيعِ، كالأساسِ وأطرافِ الأجداعِ وطَميِ البِئرِ، فلمَّا أمكَنَ الِاحتِرازُ مِنْ الجَهالةِ في الإبراءِ وجَب أنْ تَكونَ الجَهالةُ مانِعةً مِنْ صِحَّةِ الإبراءِ، ولأنَّ الرَّدَّ بالعَيبِ مُستحَقٌّ بعدَ لُزومِ العَقدِ، فلَم يَجُزْ أنْ يَسقُطَ بشَرطٍ قبلَ لُزومِ العَقدِ؛ لأنَّه إسقاطُ حَقٍّ قبلَ وُجوبِه، ألَا تَرَى أنَّ الشَّفيعَ لو عَفا قبلَ الشِّراءِ لَم تَسقُطْ شُفعَتُه بعدَ الشِّراءِ؛ لأنَّه أسقَطَها قبلَ وُجوبِها، كذلك البَيعُ بشَرطِ البَراءةِ (١). وهذا في الجُملةِ، وتَفصيلُه كالآتي:

قالَ المالِكيَّةُ: لا يَجوزُ بَيعُ البَراءةِ في شَيءٍ مِنْ السِّلَعِ المَأكولةِ والمَشروبةِ، ولا غيرِها مِنْ العُروضِ كُلِّها، إلَّا الرَّقيقَ خاصَّةً؛ فلا يَنْفَعُ البائِعَ التَّبَرِّي ممَّا لَم يَعلَم في سِلعةٍ مِنْ العُيوبِ؛ فإنْ باعَ سِلعةً على أنَّها ليسَ بها


(١) «الحاوي الكبير» (٥/ ٢٧٢، ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>