تَرَى أنَّ الشَّفيعَ لو عَفا قبلَ الشِّراءِ لَم تَسقُطْ شُفعَتُه بعدَ الشِّراءِ؛ لأنَّه أسقَطَها قبلَ وُجوبِها، كذلك البَيعُ بشَرطِ البَراءةِ.
وإذا قيلَ بالثَّالثِ بأنَّه يُبرَأُ في الحَيَوانِ ممَّا لَم نَعلَمه دونَ ما عَلِمَه، ولا يُبرَأُ في غيرِ الحَيَوانِ ممَّا عَلِمَه وممَّا لَم يَعلَمه؛ فوَجهُه قَضاءُ عُثمانَ، وهو ما رُويَ أنَّ زَيدَ بنَ ثابِتٍ ابتاعَ مِنْ عَبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ ﵁ عَبدًا بثَمانِمِئةِ دِرهَمٍ على شَرطِ البَراءةِ، فوجَد بالعَبدِ عَيبًا، فأرادَ رَدَّه على ابنِ عمرَ ﵁، فلَم يَقبَلْه؛ فتَحاكَما فيه إلى عُثمانَ بنِ عَفَّانَ ﵁ فقالَ لِابنِ عمرَ ﵁: أتَحلِفُ إنَّكَ لَم تَعلَم بهذا العَيبِ؟ فاتَّقَى اليَمينَ واستَرَدَّ العَبدَ، فباعَه بألْفٍ وسِتِّمِئةِ دِرهَمٍ؛ فقالَ: تَرَكتُ اليَمينَ لِلَّهِ فعَوَّضَني.
فقد قَضى عُثمانُ بالفَرقِ في عُيوبِ الحَيَوانِ بينَ ما عَلِمَه وما لَم يَعلَمه، وحُكِمَ بالبَراءةِ ممَّا لَم يَعلَم، وتابَعَه زَيدُ بنُ ثابِتٍ وابنُ عمرَ ﵄؛ لأنَّ زَيدًا ﵁ رَضيَ بقَضائِه، وابنَ عمرَ ﵁ لَم يَقُلْ بخِلافِه، وإنَّما امتَنَعَ مِنْ قَبولِه؛ لأنَّ العَيبَ ممَّا لَم يَعلَم به … ثم قالَ: ذكَر الشافِعيُّ في أنَّ الحَيَوانَ يُفارِقُ ما سِواه؛ لأنَّه يَغتَذي بالصِّحَّةِ والسَّقَمِ، وتُحوَّلُ طَبائِعُه، وقَلَّما يَخلو مِنْ عَيبٍ وإنْ خَفِيَ، فلَم يَكُنْ الِاحتِرازُ مِنْ عُيوبِه الخَفيةِ بالإشارةِ إليها والوُقوفِ عليها، وليسَ كذلك في غيرِ الحَيَوانِ؛ لأنَّه قد يَخلو مِنْ العُيوبِ ويُمكِنُ الِاحتِرازُ منها بالإشارةِ إليها؛ لِظُهورِها، فدَلَّ على افتِراقِ الحَيَوانِ وغيرِه مِنْ جِهةِ المَعنَى مع ما ذَكَرنا مِنْ قَضيَّةِ عُثمانَ ﵁ (١).
(١) «الحاوي الكبير» (٥/ ٢٧١، ٢٧٣)، و «روضة الطالبين» (٣/ ١٢٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute